رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مرحلة «برزخ القوى السياسية والاقتصادية» ومهارة القفز فوق الأحصنة

بداية لمن لا يعرف معنى كلمة البرزخ المائي التي ذكرت في القرآن في سورة الرحمن الآيتين 29، 30 (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) هي منطقة تفصل بين البحر والنهر، ولكن كما يقول المفكر الأمريكي بول كيندي في مقالة له نشرها في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 بعنوان ''عبور البرزخ المائي على حين غرة'' إنه لعدة قرون تم استخدام المصطلح منذ عدة قرون يستخدم لوصف الفجوة الزمنية التي تفصل الظواهر التاريخية والسياسية التي تحول البشرية إلى عصر جديد من عصر قديم لا رجعة له.
وفي هذه المقالة يقول كيندي فيما معناه إن هناك مؤشرات تشير إلى أن العالم يقترب من أو دخل مرحلة ''برزخ تاريخية'' في عالمي الاقتصاد والسياسة اللذين يشهدان منافسة قاسية، مؤكدا أنه دائما لا يشعر إلا القليل من المعاصرين للأحداث بأنهم دخلوا عصر جديد، ما لم يكون العالم خرج من حرب كارثية كالحرب العالمية الثانية، موضحا أن قيام بعض الدول ببناء قوى التغيير بشكل بطيء وغير مرئي وغير متوقع قد يكون أدى أو سيؤدي إلى التحول من عصر إلى آخر.
المؤشر الأول يتمثل في تراجع قيمة الدولار كعملة احتياطي عالمية مهيمنة، حيث تراجعت احتياطيات النقد الدولي ''بالدولارات الأمريكية'' من 85 إلى 60 في المائة لمصلحة اليورو واليوان والجنيه الاسترليني والين على الرغم من المشكلات الاقتصادية في أوروبا وحتى الصين، أما المؤشر الثاني فهو التآكل والشلل الذي أصاب الحلم الأوروبي، حيث اختلاف السياسات المالية الوطنية التي تتنافى بعنف مع العملة الأوروبية المشتركة وهو ما أثبتته أزمة الديون في كل من اليونان وإيطاليا.
المؤشر الثالث كما يقول كيندي سباق التسلح الهائل الذي يحدث في معظم أجزاء من شرق آسيا وجنوبها (اليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا والهند وأستراليا). حيث عززت قواتها البحرية في المياه العميقة، وتوسعت في بناء قواعد عسكرية جديدة وحصلت على طائرات أكثر تطورا وصواريخ ذات مدى أطول بينما الجيوش الأوروبية أصبحت أشبه بالدرك المحلية.
أما المؤشر الرابع فهو تداعي الأمم المتحدة وخاصة جهازها الأكثر أهمية مجلس الأمن، حيث يعجز عن تحقيق السلام والازدهار ودعم المثل العليا التي أرادها ميثاق الأمم المتحدة بسبب الاستخدام الجائر لحق النقض الفيتو من قبل الدول الخمس دائمة العضوية، كما حدث أن استخدمته روسيا والصين لمنع صدور أي قرار يمنع النظام السوري من قتل شعبه، وكما استخدمته أمريكا عندما صوتت لمنع أي قرار يوقف إسرائيل من التقدم في الأراضي الفلسطينية ما جعل المنظمة العالمية لا لزوم لها.
ويستنتج كيندي أن هذه المؤشرات الأربعة إذا أخذت هذه مجتمعة فإنها تشير إلى أننا نسير في مياه جديدة ومجهولة، في عالم مضطرب مقارنة كما لو أن أحدا عاد لعام 1500 خارجا من العصور الوسطى إلى العالم الحديث المبكر، حيث الجموع في ذلك الوقت تعجب بالأقواس الجديدة الطويلة الأكثر قوة.
رأي كيندي هذا تعززه آراء أخرى لمفكرين غربيين حيث يعتقدون أن الغرب (أمريكا وأوروبا) في مرحلة تناقص القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية مقابل دول آسيا التي تتنامى قوتها دون أن تريد أحدا أن يشعر بذلك ويقاومه من الغرب حتى تصل لمركز الصدارة التي قد تحققها خلال الـ 20 عاما المقبلة، والسؤال هو: كيف نتعامل مع مرحلة برزخ القوى السياسية والاقتصادية التي نتقرب منها أو نعايشها؟
بكل تأكيد نود لو كان لنا مشروعنا للوصول للصدارة السياسية والاقتصادية في إطار تكتل عربي أو إسلامي، ولكن الواقع لا يشير لذلك، وبالتالي فكل ما نتطلع إليه هو الاستثمار الأمثل للفرص التي تتيحها مرحلة ''برزخ القوى السياسية والاقتصادية'' من خلال الرصد الدقيق والمستمر والعلمي لتطورات هذه المرحلة وتعزيز مهاراتنا في القفز على الأحصنة للقفز من ظهر الحصان الخاسر للحصان الرابح في الوقت المناسب وبسلاسة دون الإضرار بمصالحنا أو مصالح الآخرين تماما كما تفعل الصين، حيث تتجه للصدارة بحذر شديد لتجنب أي صدام مع الغرب يؤخر مسيرتها نحو غايتها المنشودة.
وبكل تأكيد إن ما أسسته بلادنا بحضور خادم الحرمين وولي عهده ورئيس مجلس الوزراء الصيني لعلاقة تاريخية بين المملكة والصين بالتوقيع على خمس اتفاقيات متعدّدة شملت برامج للطاقة السلمية، الصناعة، الثقافة، سياسة، والبحوث المكتبية خطوة أكثر من مطلوبة في هذه المرحلة وتؤسس لما نتطلع إليه جميعا في مجال الاستثمار الأمثل للمتغيرات الدولية سياسيا واقتصاديا.
أيضا وبمسار موازِ لهذه الخطوة التي نتوقع أن تليها خطوات مشابهة مع البلدان الآسيوية القادمة سياسيا واقتصاديا نتوقع أن يتم الالتفات للتغيرات التي طرأت على قوة الشعوب التي باتت قوة حاسمة في كثير من القضايا بعد أن أصبحت أكثر تواصلا وقدرة على تبادل المعارف والعلوم والتجانس موقفا وسلوكاً لتفعيل دورها في بناء العلاقات السياسية والاقتصادية مع القوى الجديدة واستثمارها لما فيه مصلحة بلادنا على الأصعدة كافة.
ختاما: قال الله سبحانه في محكم تنزيله ''وتلك الأيام نداولها بين الناس''، فلا دوام لفرد أو دولة على حال والذكي من يرصد ويحلل ويخطط ويتخذ القرارات السليمة في الوقت المناسب قبل فوات الأوان، وكلنا ثقة بقياداتنا بالقيام بكل ذلك بالاستثمار الأمثل للطاقات الوطنية المبدعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي