سوق العمل الأمريكية تتحسن على نحو ملحوظ ( 2 من 2)
نواصل اليوم في هذه الحلقة الحديث عن سوق العمل الأمريكية، حيث بلغت أعداد العاطلين في حالة بطالة قصيرة الأجل (أقل من 26 أسبوعا) 7.566 مليون عامل، مقارنة بـ 8.056 مليون عامل في كانون الأول (ديسمبر) 2010، بينما بلغت أعداد العاطلين في حالة بطالة طويلة الأجل (أكثر من 26 أسبوعا) 5.588 مليون عامل، مقارنة بـ 6.421 مليون عامل في كانون الأول (ديسمبر) 2010، وتعد هذه المقارنة بين البطالة قصيرة الأجل وطويلة الأجل مهمة، حيث يفترض أن العامل الذي يقضي أكثر من 26 أسبوعا في حالة بطالة يفقد حقه في الحصول على إعانة البطالة من الدولة ما لم تقرر الحكومة مد التغطية التأمينية له بصورة استثنائية، وأخيرا فقد بلغ عدد العمال المحبطين 945 ألف عامل في كانون الأول (ديسمبر) 2011.
أما بالنسبة للقطاعات الأساسية التي توسعت فيها فرص العمل الجديدة للعمال الأمريكيين والذين تصل أعدادهم، كما ذكرنا، إلى 200 ألف وظيفة في القطاع غير الزراعي، فتتمثل في القطاعات السلعية، حيث تم توفير 48 ألف فرصة عمل، وقطاع الخدمات الخاص، حيث تم توفير 164 ألف فرصة عمل، منهم 28 ألف وظيفة في قطاع تجارة التجزئة و50.2 ألف وظيفة في قطاع النقل، بينما انخفضت أعداد العاملين في القطاع الحكومي بنحو 12 ألف وظيفة.
على الرغم من هذه التطورات الإيجابية فإن هناك ملاحظتين مهمتين ينبغي أخذهما في الاعتبار، الأولى هي أن أوضاع سوق العمل الأمريكي ما زالت صعبة، وأن معدل البطالة ما زال مرتفعا على نحو كبير، الأمر الذي يعكس حقيقة أن النمو الحقيقي في النشاط الاقتصادي ما زال أقل من المستوى اللازم للسيطرة على مستويات البطالة المرتفعة وإعطاء العزم الكافي لكل من الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار الخاص على النحو الذي يخفف من ضغوط البطالة في سوق العمل، ويوفر أساسا مناسبا للنمو الذاتي للاقتصاد الأمريكي بعيدا عن جهود التحفيز التي تمارسها الحكومة الأمريكية على نحو مكثف منذ بدء الأزمة، وتسببت في تحقيق عجز مالي قياسي ساعد على ارتفاع الدين العام الأمريكي على نحو غير مسبوق، وكذلك على تزايد الضغوط على قيمة الدولار الأمريكي نحو التراجع في مقابل العملات الأخرى، بصفة خاصة اليورو.
الثانية هي أن معدل البطالة طويل المدة (نسبة العمال الذي يقضون 27 أسبوعا أو أكثر في حالة بطالة) ما زال مرتفعا جدا، وإن كان يميل إلى التحسن بمرور الوقت، فعدد العمال الذين هم في حالة بطالة طويلة الأجل بلغ 5.588 مليون عامل في كانون الأول (ديسمبر)، ما زالوا يبحثون عن عمل ولا يجدون فرصة توظيف لهم .. لكن ماذا يعني ذلك الأمر؟ إنه يعني حقيقة صعبة للغاية، وهي أنه ما إن يفقد العامل عمله الأساسي ويصبح عاطلا، سيجد من الصعب جدا الحصول على عمل آخر في غضون فترة زمنية وجيزة، وسيظل لفترة طويلة من الزمن يعاني حالة البطالة، حيث يصبح من الصعب عليه أن يخرج من حالة البطالة بسرعة، في ظل ضعف قدرة قطاع الأعمال على توفير فرص عمل إضافية لاستيعاب العاطلين عن العمل.
خلاصة التحليل السابق هي أنه إذا استمر تطور سوق العمل في السير على هذا النحو فإن فرص التراجع المزدوج Double dip، التي تحدث عنها المراقبون كثيرا سوف تتلاشى على نحو كبير، إذ يعد معدل البطالة بشكل عام أهم المؤشرات التي يمكن الحكم من خلالها على اتجاهات النمو الاقتصادي، بصفة خاصة في الولايات المتحدة. من ناحية أخرى فإن هذه التطورات تمثل مؤشرات في غاية الأهمية بالنسبة للرئيس الأمريكي أوباما الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة في القريب العاجل، حيث تشكل هذه التطورات فرصة تاريخية له لإعادة تأكيد وضعه في البيت الأبيض كرئيس قادم للولايات المتحدة لفترة رئاسة ثانية، حيث تعد هذه التطورات مؤشرا على نجاح سياسات أوباما الاقتصادية في انتشال البلاد من خطر الركود بعد تعرض البلاد لأقسى صدمة منذ الكساد العالمي العظيم في 1929.