دول الخليج وإيران.. قرون من المواجهة والتهدئة!
يلمح المشهد في منطقة الخليج أن هناك توترًا حادًّا بين دول الخليج وإيران، وأزعم أننا نبالغ كثيرًا ونحن نناقش التهديدات التي تصدر من بعض المسؤولين في الحكومة الإيرانية ضد بعض دول الخليج العربية؛ لأن هذه التهديدات تحتد في فترة ثم تتراخى في فترات أخرى، ولذلك يجب أن نكون متحفظين ونحن نقلب الملف الإيراني ولا نندفع باتجاه حكومة أحمدي نجاد (المؤقتة!)، وأرجو ألا يتهمني بعض الناس بأنني أهون من المباغتات التي تقوم بها حكومة أحمدي نجاد تجاه بعض الدول الخليجية الشقيقة.
وأذكر ـــ بهذه المناسبة ـــ أنني كنت في زيارة إلى طهران ضمن وفد صحافي سعودي رسمي، وكانت ضمن البرنامج زيارة وزير الإعلام الإيراني في مكتبه، وفي الموعد المحدد استقبلنا الوزير، وتبادلنا عبارات الترحيب والمجاملة، ولكن فجأة انحرف الوزير إلى الكلام بحماسة إيرانية إلى تاريخ إيران الإسلامية، وقال إن إيران دخلت الإسلام من بوابة الزرادشتية الفارسية وليس من بوابة العروبة، وظل يجلل الحضارة الفارسية قبالة البداوة العربية، وعبثًا حاولنا مقارعته بالحضارة الإسلامية العربية التي يتصدرها ديننا الإسلامي الحنيف، إلا أن وزير الإعلام الإيراني كان جاهزًا لتوصيل رسالة فارسية ذات معالم عدائية للعرب.
نفهم من هذا أن هناك غِلاًّ فارسيًّا تاريخيًّا يعشش في النفس البشرية الإيرانية ضد العرب منذ معركة القادسية حتى اليوم وإلى ما شاء الله، وعلينا أن نتفهم هذا في كل الحقب والمناسبات!
دعونا نناقش الموضوع بموضوعية شديدة بعيدًا عن التاريخ القديم والحديث، إن حكومة الملالي في إيران دخلت مرحلة الشيخوخة وتعاني الآن الترهلَ، بل إن أمراضها الاقتصادية والسياسية كفيلة بسقوط حكومة أحمدي نجاد في أي لحظة خلال عام 2012 أو على الأكثر خلال عام 2013.
وحتى نكون موضوعيين لنبدأ بلغة الأرقام، فالجمهورية الإسلامية تدخل الانتخابات البرلمانية في آذار (مارس) 2012، وبعدها بعام واحد أي في عام 2013 تدخل سباق الرئاسة.
ونعرف جميعًا أن الرئيس أحمدي نجاد لا يحق له دخول حلبة السباق؛ لأنه فاز بفترتين لا ثالثة لهما، وفقًا للدستور الإيراني الذي يحدد فترات الرئاسة بفترتين فقط لا غير.
وعلى صعيد الاستقواء بالتحالفات الإقليمية والعالمية، فإن إيران الملالي تفتقر إلى الحلفاء والأنصار، سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى العالمي، ونعرف جميعًا أن الغرب كله ـــ ما عدا روسيا المأزومة ـــ يقف في مواجهة حقيقية مع نظام الملالي بسبب مشروعها النووي، أما بالنسبة للتحالف الإقليمي فإن إيران ليس لها صديق في المنطقة إلا سورية، وحكومة الأسد ـــ كما هو واضح في الساحة السورية ـــ توشك أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، ومن ناحية المعارضة الإيرانية فإنها قد استجمعت قواها ونظمت صفوفها الآن في الداخل والخارج، ولم تعد ضعيفة وهزيلة كما كانت في عام 2005 و2009، ولذلك فستدخل الانتخابات البرلمانية والرئاسية بفورمة أقوى بكثير من دخولها الانتخابات السابقة التي ثبت أن فصيل أحمدي نجاد قد تلاعب بها وزورها حتى استطاع أن يخطف الحكومة مرة تالية.
نأتي الآن إلى الشق الأهم وهو الجانب الاقتصادي الكفيل هو الآخر بزلزلة نظام الملالي وتقويض كل أطرافه السبعة.
إن معدل البطالة في إيران بلغ 29.1 في المائة لمن هم في سن الشباب، وأكد وزير العمل الإيراني عبد الرضا شيخ الإسلام في أيلول (سبتمبر) الماضي أن البطالة في صفوف خريجي الجامعات تزيد عشرة أضعاف على الذين يحملون دبلوم المدرسة الثانوية أو مؤهلات أقل، ولذلك فإن احتمال أن تندلع شرارة التمرد من الجامعات الإيرانية قبل أن تندلع من الشارع الإيراني واردة إلى حد كبير.
ولذلك فإن أزمة البطالة تُعَدُّ واحدة من أهم المشاكل التي يعانيها الاقتصاد الإيراني الذي تأثر سلبًا جراء خفض قيمة العملة، وتزايد حدة العزلة الدولية، وارتفاع أسعار الأغذية العالمية، وفرض حظر نفطي أوروبي على إيران.
ونذكر جميعًا أن حدة الأزمة الاقتصادية قد بلغت كل أبناء الشعب الإيراني مما حدا بأحد العاطلين أن يقذف الرئيس أحمدي نجاد بحذائه، بينما كان الرئيس يلقي خطابًا سياسيًّا تعهد فيه بأن حكومته ستوفر 2.5 مليون وظيفة في عام 2011، ولكن المعنيين بالاقتصاد الإيراني ردوا على أحمدي نجاد، وقالوا إنه لا يمكن توفير 2.5 مليون وظيفة إلا بمعدل نمو اقتصادي يزيد على 20 في المائة، وبزيادة ملحوظة في معدلات الاستثمار الأجنبي الذي يشهد انكماشًا ملحوظًَا بسبب تشديد العقوبات الدولية.
ونلاحظ أن بنك إيران المركزي لم يعلن معدلات النمو الاقتصادي منذ عام 2008، ما جعل المحللين يستنتجون أن معدلات النمو الاقتصادي متدنية إلى الحد الذي يقتضى حجبها عن النشر، ولذلك فإن توفير الـ2.5 مليون وظيفة هي مجرد أضغاث أحلام.
ولعل الجميع يتابع الهبوط المتواصل للريال الإيراني الذي هبط إلى مستوى قياسي بعد أن وقع الرئيس الأمريكي باراك أوباما قانونًا يفرض عقوبات جديدة على البنك المركزي الإيراني وحينذاك بلغ الدولار نحو 10500 ريال.
ولا شك في أن هذه المؤشرات الاقتصادية الصاعقة تشغل كثيرًا حكومة أحمدي نجاد إلى درجة أن الحكومة لم تخف خوفها من هرولة الإيرانيين إلى سحب ودائعهم من البنوك، وعندئذ فقط سوف يتعرض النظام السياسي الإيراني إلى التدمير والانهيار.
الخلاصة؛ إن دول الخليج العربية هي النظام الذي يتميز بالثبات والاستقرار في منطقة الخليج، وليس نظام الملالي الإيراني الذي ظل يعاني عقدة الذنب منذ مئات السنين حتى اليوم.