أسعار النفط ومضيق هرمز
يعود الصراع إلى خليج العرب بعد الإطاحة بصدام حسين، وهذه المرة للإطاحة بالحكومة الإيرانية وملاليها. ودوافع الصراع ومسبباتها تبدو متشابهة، بدءا من التهديد بحرمان صدام من امتلاك القوة النووية، والتهديد بضرب المنشآت النفطية، وإغلاق مضيق هرمز، وتهديد دول الجوار. وهي العوامل نفسها التي يدور عليها الصراع الآن مع إيران. ويمكن قياس حدة هذا الصراع بمتابعة مؤشر أسعار النفط التي تعكس أنواع وحجم التهديدات من الطرفين الإيراني والغربي. فأسعار النفط ارتفعت منذ بداية العام بنحو 13 في المائة مع تصاعد لهجة الخطاب الغربي بحظر النفط ومنتجات البتروكيمياويات الإيرانية، وتحرك العتاد الغربي من سفن وطائرات، وزيادة التحركات السياسية بمشاركة دول آسيا المهمة مثل اليابان على المشاركة في المقاطعة، وتبادل المشاورات والزيارات الثنائية مثل زيارة رئيس وزراء بريطانيا، وكذلك الصين إلى المملكة. كل هذه التحركات تدفع بارتفاع أسعار النفط إلى أرقام قد تكون غير مسبوقة، فالبعض يرى أنها قد تصل إلى 200 دولار للبرميل. وبنظرة سريعة إلى لغة الأرقام، فإن إنتاج النفط من دول الخليج الست، إضافة إلى العراق وإيران يصل إلى 21.45 مليون برميل في اليوم. منها 9.3 مليون برميل تنتجها السعودية، و3.63 مليون برميل في اليوم تنتجها إيران. وتصدر تلك الدول نحو 17 مليون برميل في اليوم، حيث تصدر إيران نحو 1.83 مليون برميل في اليوم فقط، وتستهلك المتبقي، بينما تصدر السعودية نحو 7.85 مليون برميل في اليوم.
وفي ظل سيناريو حظر النفط الإيراني الذي سيؤدي إلى نقص في السوق النفطية بنحو 1.83 مليون برميل في اليوم، وهو أقل مما تنتجه ليبيا؛ مما يعني أن أسعار النفط تحت هذا السيناريو يجب أن تكون في مستويات أزمة النفط الليبي، حيث كانت أسعار النفط عند متوسطات 100 دولار للبرميل، خصوصا أنه يمكن تعويض هذا النقص من قبل دول مثل السعودية التي أنتجت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي مستويات قاربت عشرة ملايين برميل في اليوم. ومع عودة النفط الليبي إلى الأسواق فإن الحظر على إيران يجب ألا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بهذه الدرجة.
وفي حال نجاح إيران في غلق مضيق هرمز، وهو احتمال ضعيف جداً، فإن لدى السعودية قدرة تصديرية تصل إلى خمسة ملايين برميل في اليوم عن طريق البحر الأحمر، ناهيك عن أن لدى الغرب احتياطيات استراتيجية تمكنها من سد النقص الحاصل في سوق النفط لفترات طويلة. ولعل هذا السيناريو هو الأسوأ، حيث إننا قد نشاهد أسعار النفط في مستويات أعلى من 150 دولارا للبرميل، وقد تصل إلى ملامسة الـ 200 دولار للبرميل. وهو الأمر الذي قد يصعد الصراع ويحولها إلى حرب سريعة وخاطفة قد تنتج عن تغيير سريع في موقف إيران واستسلامها للشروط الغربية المتمثلة في إزالة المفاعلات النووية، وتقليص نفوذها العسكري في المنطقة، وقد تصل إلى تغيير الحكومة الحالية وقلب نظامه. وهو الأمر الذي يبحث عنه الغرب منذ فترة، حيث إن إيران والتي بقيت تعاني عقوبات غربية جمة منذ سنوات طويلة، قد نجحت في مقاومة هذا الحصار، وأجبرت الغرب على الانتظار والعمل على الإطاحة بإيران من الداخل؛ لصعوبة نجاح ضربة عسكرية خاطفة.
إن التحالف الذي يتراكم الآن تجاه إيران قد يكون مبررا لضربة عسكرية وسيطرة غربية كاملة على الأجواء والممرات البحرية في منطقة الخليج، وبالتالي رضوخ إيران للمطالب الغربية تحت تهديد التدخل الفعلي في قلب نظام الحكومة. وفي ظل سيناريو مثل هذا لو حدث، فإننا نرى أن تدفق النفط من المنطقة سيستمر دون عوائق في ظل هذا السيناريو، ما عدا تدفق النفط الإيراني الذي سيكون تأثيره مقاربا لغياب النفط العراقي إبان الإطاحة بصدام، وغياب النفط الليبي أثناء عملية التخلص من معمر القذافي، مما لا يبرر ارتفاع أسعار النفط بهذه المستويات.