رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التنمية الحقيقية تعني زيادة دخل الفرد (2)

تطرقت في مقال الأسبوع الماضي إلى المعنى الحقيقي للتنمية - أو بمعنى أصح النظرة الحقيقية للتنمية - التي عرفها علماء الاقتصاد بـ''زيادة الدخل الحقيقي للفرد''. وهنا أريد أن أواصل طرق الموضوع مرة أخرى، خصوصا من الناحية التطبيقية. فبعد أن عرضت الجزء النظري في مقال الأسبوع الماضي أريد في مقالي هذا أن أعرض الآليات التي تمكننا من الاستفادة من الأفكار النظرية والشروط المنطقية لتحقيق التنمية الحقيقية وأين تقع نهضتنا التنموية من كل ما ذكر؟ وقبل أن أبدأ سأعيد عرض شروط تحقيق التنمية التي أوجزها علماء الاقتصاد في البنود التالية:
1. يجب أن تتوافر داخل الدولة قاعدة بيانات عصرية دقيقة تحدث باستمرار، فبدون قاعدة البيانات لن تتمكن الدول من تحقيق التنمية بمعناها الحقيقي.
2. يجب زيادة الإنتاج، التي ستؤدي إلى زيادة الناتج القومي، وهذه تتطلب إعداد موارد بشرية وطنية مدربة تدريبا جديا علميا ومهاريا وتقنيا.
3. السعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار، فكلما زاد الأمن والاستقرار زادت فرص تحقيق التنمية وإمكاناتها.
4. توفير سياسات ضامنة لحركة رؤوس الأموال والموارد البشرية. فالتنمية تعني إيجاد حرية شبه مطلقة لدخول وخروج رؤوس الأموال والموارد البشرية وضمانها فإن لم توجد سياسات تضمن حقوق الأطراف المختلفة وحرية حركتها فلن يتم نجاح العلمية الاقتصادية.
5. تنمية وعي الشعوب بأهمية المساهمة في التنمية، فالتنمية الحقيقية ليست مهمة الحكومات فحسب، بل الشعوب أيضا، ولن تتحقق أي تنمية دون شراكة حميمة بين الدولة والمواطنين.
6. حماية الموارد المتجددة مثل الغابات من التلوث وغير المتجددة مثل النفط من النضوب عن طريق خفض استهلاكها كي تستمر لفترة أطول وهو ما يطلق عليها بالتنمية المستدامة.
7. عندما تتحقق الشروط السابقة بالكامل فإن هذا سيزيد من دخل الدولة، الذي يجب أن يكون للمواطن نصيب وافر منه، ويجب أن يزيد دخله بطريقة تراكمية مستمرة وليست موسمية أو لمدة محدودة أو لمعالجة ظاهرة أو لتخميد فتنة، بل زيادة مستمرة تقيم بين الفترة والأخرى، لأنه أساس التنمية والمنتج الحقيقي لها.
ولو أردنا أن نعرف مدى تحقيق التنمية في بلادنا وفقاً للشروط السابقة فماذا عسانا نجد؟ أرى أن الشرط الثالث (الأمن والاستقرار) والرابع (حركة رؤوس الأموال والموارد البشرية) متوافران وبذلك فنحن قد قطعنا شوطا لا بأس به للوصول إلى التنمية الحقيقية التي تعني ''زيادة دخل الفرد'' رغم وجود بعض المعوقات التي تقيد حرية حركة الموارد البشرية نتيجة القيود التي نراها من تعقيد إجراءات الفيزا ونحوها، لكن رغم كل هذا فأرى أننا قطعنا شوطا جيدا في هذا المضمار مقارنة بالغير.
أما الشروط الأخرى من شروط تحقيق التنمية فأرى أننا ما زلنا بعيدين عنها، فلو أخذنا الشرط الأول وهو توافر قاعدة بيانات محدثة وعصرية تسمح بالتخطيط والتقويم، نجد أن البيانات موزعة على أكثر من قطاع، وكثير منها يشوبها الغموض، وقلة المصداقية، والبعض الآخر يتظاهر القائمون عليه بالسرية. ونحن نعاني الأمرين، خصوصا الباحثون منا عندما نتعامل مع الجهات الرسمية الحكومية وغير الحكومية التي توفر البيانات، فنجدها متفرقة ومتناثرة في أكثر من جهة لا تكاد تصل إليها وإن تمكنت منها فتجدها بيانات متقادمة، غير دقيقة، يشوبها الكثير من الغموض وعدم الوضوح. وتحاول مصلحة الإحصاءات العامة التابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط أن تسد ثغره في هذا المجال إلا أن الإحصائيات التي تصدرها المصلحة قليلة المصداقية غير واقعية في بعض جوانبها فيها الكثير من التحيز. ولا أريد أن أسهب كثيرا في هذا حتى لا نبتعد عن صلب الموضوع.
أما الشرط الثاني وهو إعداد موارد بشرية مدربة تدريبا جديا، علميا، ومهاريا، وتقنيا بحيث تزداد إنتاجيتها فنحن بعيدون عن ذلك كل البعد. عندما ننظر إلى طريقتنا في إعداد الموارد البشرية الوطنية نرى كيف خلطت مراكز التدريب الحكومية وغير الحكومية التدريب بالتعليم ولم تستطع أن تفرق بينهما. كما أن المؤسسات التعليمية من جامعات ومعاهد وكليات تقنية وغيرها تخرج لنا كل سنة أعدادا هائلة من العاطلين، فجلهم غير مؤهلين للعمل، لأنهم لم يعدوا الأعداد الجيد ولم يتدربوا التدريب الكافي الذي يزيد من إنتاجيتهم. لذا أرى أننا نحتاج بالفعل إلى التركيز في هذا الجانب، خصوصا نوعية التعليم وبذل الأموال، أو بالأحرى توجيه الأموال إلى التدريب والتركيز على نوعية التعليم وإصلاح التعليم بشقيه والبعد عن الدعاية وتضخيم الإنجازات التي أفسدت كثيرا من مؤسساتنا التعليمية حتى أصبحت تهرع وراء التصنيفات والحصول على الاعتمادات الأكاديمية وهجرت مهمتها الأصلية في إعداد وتعليم الأجيال بما يتناسب وخططنا التنموية.
أما الشروط الخامس والسادس والسابع فسأؤجل مناقشتها إلى مقال قادم - بإذن الله - حتى نصل في النهاية إلى تحديد الطريقة المثلى لزيادة دخل الفرد، الذي يمثل المعنى الحقيقي للتنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي