الصكوك علامة فارقة لعام 2012
الصكوك هي القناة الأكثر نموا في سوق التمويل العالمية.. ويعول عليها كثيرا وسط ما يحيق في العالم من تطورات اقتصادية ومالية واقتصادية واجتماعية. وعلى الرغم من أن هذه الأداة تستخدم في السعودية وبقية دول مجلس التعاون لدول الخليج، إلا أن سوقها الأنشط والأكثر إبداعا هي في ماليزيا. وهناك توجه عالمي لصكوك على مستويين؛ أحدهما نتيجة لتوفير الصكوك بديلا منهجيا وأخلاقيا أكثر صرامة من آليات التسنيد المستخدمة تقليديا في تسنيد الرهونات على الأصول، التي سبب اختراقها إلى تطوير صنف "سام" منها كاد يودي بالاقتصاد العالمي، وبعد ذلك ما أصاب منطقة اليورو بسبب استمراء الحكومات هناك إصدار سندات خاوية من حيث التسنيد من جهة ومن حيث الاستخدام والتوظيف من جهة أخرى. أما المستوى الثاني فهو رغبة العديد من الدول الإسلامية الاستفادة من هذه الأداة (الصكوك المتوافقة مع الشريعة) لتنشيط أسواقها المالية وتوظيف السيولة المتاحة توظيفا تنمويا من خلالها يشرك القطاع الخاص ومدخرات الأفراد في تحقيق المنفعة العامة.
وقد دأبت الحكومة السعودية على إصدار سندات كأداة للاقتراض الداخلي تسوق من خلال البنوك المحلية، وتوقفت منذ عام 2007 عد تحقيق الخزانة العامة عوائد نفطية عالية، بل إن الحكومة حرصت على خفض قيمة الدين الداخلي - الذي ساوى في ذروته الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - حتى بلغ نهاية عام 2011 أقل من 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا للبيان الرسمي لوزارة المالية الذي صاحب صدور الميزانية العامة للعام 2012. وفي العام الماضي، صرح وزير المالية السعودي على هامش مؤتمر "يوروموني" بأن السعودية قد تطرح صكوكا وأدوات دين ولكن لأغراض تنموية محددة.
ولعل من المناسب القول إن طرح صكوك لتمويل مشروع مطار الملك عبد العزيز في جدة منح السوق المالية انطلاقة قوية بداية عام 2012، فقيمة هذا الطرح 15 مليار ريال وأجله عشر سنوات، في حين أن إجمالي قيمة ما طرح من صكوك في السوق المالية السعودية في عام 2011 برمته كان 5.5 مليار ريال. يضاف لذلك أن الصكوك تطرح بمساندة حكومة خادم الحرمين الشريفين الكاملة من حيث الضمان غير المشروط، ومن حيث إن مؤسسة النقد العربي السعودي قد منحتها أدنى وزن مخاطرة ممكن وهو "صفر". وفوق ذلك فقد فتحت الحكومة بهذا الطرح آفاقا جديدة لتمويل التنمية بما يحد من تصدير رأس المال من جهة ويخفف من الضغوط التضخمية من جهة ثانية ويوظف الأموال المودعة والمدخرات توظيفا تنمويا. ولعل من المفيد بيان أن العائد لهذه الصكوك عال عند النظر أنه أعلى من "سايبور" بل أعلى من عوائد سندات الخزانة الأمريكية (2 في المائة حاليا).
وكما ندرك فالاقتصاد السعودي يمر بمرحلة مزدهرة لكنها محفوفة كذلك بتحديات تنموية غير خافية. فعلى الرغم من أن الإنفاق الرأسمالي للحكومة في تصاعد متواتر، فمنذ عام 2004 حتى الآن تضاعف هذا الإنفاق بأكثر من ستة أضعاف ليصل إلى 260 مليار ريال في مخصصات عام 2012.. ومع ذلك فإن السعودية تعج بالمدن والبلدات والحواضر التي تتطلب استثمارات ضخمة ومتزامنة وقدرة هائلة على التمويل، وللدلالة على ذلك لنأخذ قطاع النقل ضمن المدن. فإذا قررت الحكومة إطلاق مشاريع للنقل العام ضمن المدن وبين المدن التي يزيد عدد سكانها على 30 ألف نسمة.. فستجد نفسها أمام متطلبات تمويلية بعشرات المليارات لتوفير قنوات للنقل العام من حافلات وقطارات خفيفة داخل المدن.. إلخ.. وكذلك الأمر لبقية منظومة الخدمات البلدية التطويرية.
أخيراً وليس آخراً، فمن خلال هذا الإصدار بينت البيروقراطية الحكومية أنها قادرة على التحرك السريع إذا ما كان الهدف واضحاً والرؤية متكاملة ـ ولذلك لا بد من التنويه بجهود اللجنة المعنية بالإصدار من وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وصندوق الاستثمارات العامة وهيئة الطيران المدني. فعلى الرغم من أن الجميع كان يقوم بواجبه لكن هذا الإصدار يؤسس لمرحلة قادمة تتبوأ فيها السوق المالية السعودية مركزاً قيادياً في سوق الصكوك العالمية، ومن ناحية ثانية تؤسس لمرحلة نوظف فيها المزيد من مواردنا المالية المتاحة بما يعود بالنفع على المجتمع وأفراده على حدٍ سواء.
رئيس مركز جواثا الاستشاري