رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«القبول» ومواجهة تحديات الظروف المتغيرة

يقول أحد المخضرمين الذين عاشوا ظروف ما قبل الطفرة إننا جيل محظوظ فنحن ولله الحمد نشهد تغيرات إيجابية بشكل دائم وهي أمور يمكننا التكيف معها بسهولة رغم أنه يصف ما يعيشه هو وأقرانه بأنهم في طائرة في حالة إقلاع دائم لم يستقر لها حال، وهو إقلاع في جميع المجالات، النقل والسكن والاتصالات والمواصلات والطاقة والرفاهية والترفيه، ويضيف نعم تخرج علينا كل فترة خدمات جديدة وتكاليف جديدة غير محسوبة مثل تكاليف ''البلاي ستيشن'' و''البلاك بيري'' و''الآي فون'' و''الآي باد''، وغيرها وفواتير جديدة مثل فواتير الكهرباء والماء والجوال والإنترنت وأقساط التأمين إلا أن ذلك مقبول في إطار رفع مستوى جودة الحياة وسهولتها.
وفي حديث هذا المخضرم الذي عاش ظروف ما قبل الطفرة الاقتصادية وما بعدها يتضح أنه كما هو حال أقرانه يقبل وبسهولة إلى حد ما التغير نحو الأفضل من الندرة إلى الوفرة، ومن الأصعب إلى الأسهل، ومن القليل إلى الكثير، ومن فوضى الحياة إلى النظام، ومن الطب الشعبي إلى الطب الحديث، ومن مدارس الكتاتيب إلى المدارس والجامعات الحديثة وهكذا، وهو أمر معقول ومتوقع، ولكن دوام الحال من المحال إذ إن التحول من حال إلى حال أفضل ليس دائما إذا يتعرض الفرد والمجتمع والدولة إلى تحول من حال أفضل إلى حال أسوأ من الظروف وهو أمر ضار جدا إذا لم يتم قبوله أولا والعمل على التكيف معه بكل فاعلية وكفاءة ثانيا.
ولنأخذ الإسكان مثالاً على ذلك حيث كان المسكن يراوح بين بيت صغير جدا من الطين أو من الشعر، وعندما بدأت الأحوال الاقتصادية تتحسن بدأ التحول نحو المساكن الحديثة من الخرسانة ونتيجة للطفرة الاقتصادية وتكفل الدولة بمنح كل مواطن أرضا وقرضا لبناء مسكن له ولأسرته من الخرسانة أصبح المسكن المعياري مسكنا خرسانيا كبيرا فيلا تصل مساحتها لنحو 600 متر مربع تقريبا ووصلت نسبة تملك المساكن لأكثر من 80 في المائة، ونتيجة لازدياد السكان أكثر من النمو الاقتصادي والذي تواكب مع ارتفاع أسعار الأراضي أصبحت هذه الآلية غير فاعلة الأمر الذي يتطلب أن ''يقبل'' المواطنون شكلا جديدا للمسكن ومساحة أقل كما هو في الدول الغربية الأكثر ثراء من بلادنا، حيث يكتفي المواطنون بمساكن جلها خشبي بمساحات لا تتجاوز 200 متر مربع إلا أن ذلك لم يحصل ولم يكن فانخفضت نسبة التملك إلى ما دون 40 في المائة.
المختصون في عالم الإسكان يقولون لا حل سوى ''بقبول'' الظروف الجديدة في السوق العقارية عموما والإسكانية على وجه الخصوص وعدم إنكارها والتعامل معها بواقعية وإلا ستتفاقم المشكلة الإسكانية شيئا فشيئا وإن أطلقنا حلولا مؤقتة لا تراعي تلك الظروف، ويؤكد هؤلاء أن سعر متر البناء في المملكة لا يزال الأقل على مستوى المنطقة والعالم وأنه مرشح لمزيد من الصعود متى ما اندمج الاقتصاد السعودي في الاقتصاد العالمي بشكل أكبر وخضع لمعاييره مثل الحدود الدنيا لأجور العمالة، التي بدأت تتصاعد شيئاً فشيئاً وأيضا المعيارية بالبناء وتطبيق أكواد البناء بشكل إلزامي.
مثال آخر لمعاناة أخرى بسبب عدم ''القبول'' وهي معاناة البطالة، حيث كان أفراد المجتمع السعودي يُقبلون على الأعمال المهنية كعمل ذاتي أو لدى الغير، ولكن بعد الطفرة الاقتصادية اتجه الجميع للعمل في الوظائف الحكومية المتاحة بشكل كبير آنذاك، التي ما لبثت أن شحت بعد أن وصلت البطالة المقنعة في الأجهزة الحكومية إلى ما وصلت إليه اليوم وأصبح من الضروري التوجه للعمل في القطاع الخاص بشكل عام والأعمال المهنية والتقنية بشكل خاص، التي تشغلها عمالة وافدة غير مدربة وغير مؤهلة تكتسب المعرفة والمهارة والخبرة في السوق المهنية السعودية التي يعزف السعوديون عنها رغم معاناتهم من البطالة وآثارها.
مثال ثالث يتعلق ''بالوعي الجديد'' الذي يتشكل لدى أفراد المجتمع وخصوصا الصغار والشباب نتيجة الثورة التكنولوجية وما ترتب عليها من وسائل اتصال وقدرة على صناعة المحتوى ونشره وتبادله والتحاور واتخاذ قرارات جماعية بشأنه، وهو وعي يتطور بمعدلات نمو متسارعة ومذهلة ويشكل مواقف وسلوكيات جمعية جديدة ومفاجئة تتطلب مرونة عالية ''لقبوله'' والتعامل معه بشكل إيجابي، ويحضرني هنا ما قاله لي أحد أولياء الأمور إنه ذهل من موقف أحد أبنائه بشأن استخدامه سيارته دون وجهة معينة، حيث قال له صغيره إن هذا الفعل يهدد البيئة وإن عليه أن يوقف سيارته عن العمل دون حاجة لذلك، وما قاله لي أحد المعلمين من أن القيم والمفاهيم والمعارف والمصطلحات والمهارات التي يتمتع بها الطلبة فاقت الكثير مما لدينا مما يجعلنا في موقف محرج أمامهم خصوصا وأننا غير متوقعين لما يصدر منهم، وهو أمر يجعلهم لا يقبلون ما نقول لهم شيئا فشيئا.
التغير المتسارع في ''الوعي الجمعي '' والواقع الجديد الذي قلل من السرية وعزز الوضوح والشفافية يتطلب مرونة عالية من القيادات والمسؤولين والمعلمين والوالدين ''لقبوله'' أولا ومن ثم التعامل الإيجابي معه بما يعود بالنفع على الجميع، وأرجو أن يكون ذلك واقعنا مستقبلا وإن بدا لي عكس ذلك، حيث لا يزال كثير من كبار السن لا يعرفون شيئا عن وسائل التواصل الاجتماعي وفاعليتها وانعكاساتها على وعي أفراد المجتمع من الأطفال والشباب وأثرها في مواقفهم وسلوكياتهم.
ختاما: أقول إن ''القبول'' وخصوصا عند التحول من ظرف مرض إلى آخر غير ذلك هو التحدي الأكبر الذي يواجهه الأفراد والمؤسسات والدول والتصلب في مواجهة هذا التحول في الظروف لن يأتي بخير والمرونة في التقبل والتوجه للحلول الإيجابية هي الاستراتيجية المثلى لمواجهة التحولات في الظروف مهما كانت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي