الدولة من خلال التربية
منذ عقود والشعب الفلسطيني يحاول جاهداً من خلال منظمة التحرير قبوله في المنظمات الدولية عضواً كامل العضوية، أو عضواً مراقباً، أي ناقص العضوية، وذلك في زمن حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي الذي عمل بماله ورجاله وسلاحه وخبراته ودعمه اللا محدود للكيان الصهيوني على انتزاع حقوق شعب يعيش على أرضه منذ آلاف السنين ويعطيها لليهود الذين جاءوا من كل حدب وصوب ليستقروا في فلسطين ويطردوا أهلها الأصليين منها ليكون مصيرهم التشرد واللجوء والعيش في المخيمات مع البؤس والفقر والمرض.
كافح الفلسطينيون للمحافظة على هويتهم وشخصيتهم من خلال التربية، ومن خلال الفكر، وقد تجسد هذا الهدف في الشعر والقصة والحكاية ومن خلال التعليم والتربية حتى إن الشعب الفلسطيني يعتبر من أكثر الشعوب العربية تعليماً، ولا ننسى نحن في المملكة الدور الذي قام به الفلسطينيون مع بدايات التعليم في المملكة، حيث شاركوا في التعليم العام وكذلك في التعليم العالي، كما كان لهم الدور نفسه في دول عربية أخرى.
ومع أن الفلسطينيين استمروا في الطرق على أبواب المنظمات الدولية كهيئة الأمم المتحدة، والمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم، التي تعتبر إحدى المنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة، إلا أنهم وجدوا أبواباً موصدة في وجوههم، ذلك أن هذه الهيئة تخضع لنفوذ وتصرف دول أقل ما يقال عنها إنها دول متغطرسة، خاصة مع وجود حق النقض أو ما يعرف بالفيتو في أيدي دول غير مؤهلة لقيادة العالم، إذ إن هذه الدول لا تعرف إلا لغة القوة، أما مبدأ العدل وقيمه مع الآخر فأبعد ما تكون عن ذلك. ومع بروز القضية الفلسطينية سياسياً وإنسانياً على الصعيد العالمي جاءت موافقة ''اليونسكو'' على عضوية فلسطين فيها، لكن بعد جهد جهيد وعمل مع كثير من الدول الأعضاء في المنظمة، وتحفظت الولايات المتحدة على هذا القرار وعارضته مع إسرائيل ليتأكد للعالم الدور السلبي الذي تمارسه دول لا تعرف إلا لغة الغطرسة وظلم الآخر، لكن الجميل في الأمر أن حق نقض لأي دولة من الدول، وهذا ما ساعد على تتويج فلسطين عضواً كاملاً في ''اليونسكو'' يحق لها ممارسة دورها كغيرها من الدول الأخرى الأعضاء.
هذه العضوية تمثل نصراً كبيراً للفلسطينيين تمكنهم من المحافظة على تراثهم، وموروثهم الشعبي من خلال مزيد من البرامج، كما تمكنهم من تقديم أطروحات وبرامج من خلال ''اليونسكو'' مع إمكانية الإسهام في قرارات هذه المنظمة الدولية وتوجهاتها المستقبلية. صحيح أن الدولة هي أرض وشعب ونظام سياسي يدير الوطن، لكن ليكون الوطن قوياً وممانعاً لا بد من الاهتمام بالتربية حيث تتشكل العقول والاتجاهات وتصقل المهارات، وتنمو المعرفة. بالعلم والتربية يقوى الاقتصاد، وتبنى المصانع، وتتبلور النماذج والنظريات، وبالعلم ينتج السلاح الذي أضعف العالم العربي بمن فيه الفلسطينيون نظرا لاعتماده على استيراده وعدم التوجه لتصنيعه.
بالعلم امتلك كثير من الدول ناصية القوة بكل مجالاتها، وبالعلم تمكنت هذه الدول من السيطرة على ثروات العالم وتوجيه قرارات منظماته بما يخدم مصالحها حتى ولو كان على حساب الشعوب الأخرى، ولذا فإن اهتمام الفلسطينيين بالعلم ومؤسساته والاعتناء بالنشء هو ما سيمكنهم من تكوين دولتهم، لأنهم بالعلم والمعرفة سيزيدون قوة تمكنهم من قوة عدوهم ومن يناصره، وتعينهم على إقامة الدولة الفلسطينية المرتقبة والمحافظة عليها قوية منيعة، ويكفي أن نتذكر قول الشاعر:
العلم يرفع بيتاً لا عماد له
والجهل يخفض بيت العز والشرف
وما من شك أن ما ينطبق على الأفراد والعائلات ينطبق على الدول، وهذا ما نراه متجسداً في الواقع، حيث الضعف والهوان للدول المتخلفة علمياً ومعرفياً والقوة والسيادة للدول الأكثر في معارفها وعلومها.