خريطة الإسكان في الميزانية.. خطوة جادة لإنهاء أزمة السكن
من العادات الحميدة في حياتنا السعودية أن المواطن بات يحتفل مع الدولة سنويا بمناسبة صدور ميزانية الدولة التقديرية؛ أي أن الميزانية لم تعد شأنا حكوميا فحسب؛ بل هي شأن أصيل في حياة كل مواطن يعلق على أرقام الميزانية آمالا كبيرة يبنى عليها مستقبله ومستقبل أولاده.
وإذا نظرنا إلى قضية السكن ومدى سعي الحكومة إلى حل هذه المشكلة العتيقة من خلال ميزانية الدولة التقديرية للعام المالي 2012 نجد أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أصدر توجيهاته بتحويل مبلغ 250 مليار ريال من فائض إيرادات العام المالي 2011 لتمويل بناء 500 ألف وحدة سكنية، المعتمد تنفيذها بالأوامر الملكية السابقة التي قامت وزارة الإسكان بتوقيع عقد التصاميم والإشراف على تنفيذها. كما أن الميزانية اعتمدت كثيرا من مشاريع الإسكان سواء بالنسبة لمنسوبي الأمن العام أو القوات المسلحة أو مشاريع إسكان أعضاء هيئات التدريس في الجامعات السعودية، حيث اعتمدت ميزانية الدولة التقديرية مبلغ 13.100 مليار ريال للإسكان الجامعي.
وإذا رجعنا إلى خطة التنمية التاسعة نجد أن الخطة تهدف إلى بناء نحو مليون وحدة سكنية لتلبية 80 في المائة من الطلب المتوقع خلال الفترة ما بين 2010 و2014؛ وتقوم بتنفيذ هذا العدد من المساكن كل من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية ومنظمات حكومية مختلفة؛ والقطاع الخاص الذي بات ينفذ كثيرا من مشاريع الإسكان.
وبهذه المناسبة فإننا يجب أن نشيد بالقطاع الخاص الذي لم يعد يقف متفرجا إزاء مشاريع الإسكان؛ بل أصبح فاعلا حقيقيا في هذه المشاريع وأصبحت له بصماته الملموسة والواضحة للجميع.
وتشير التقديرات إلى أن قطاع بناء المساكن في المملكة يتطلب استثمارات تبلغ نحو 1.5 تريليون ريال سعودي لبناء 2.32 مليون وحدة سكنية جديدة في الفترة بين 2010 و2025؛ وعلى صعيد معدلات الإشغال تشير التقديرات إلى الحاجة إلى استثمارات تبلغ نحو 64 مليار دولار سنويا لبناء نحو 145 ألف وحدة سكنية جديدة كل عام حتى عام 2025؛ ويرجع ذلك إلى عوامل عدة مرتبطة بهيكل قطاع الإسكان ومستوى التطور في نظم البناء في المملكة وتوزيع ذلك على مناطق المملكة المختلفة.
أما بالنسبة لمعدلات الزيادة في عدد السكان فإن الإحصاءات المعلنة من مصلحة الإحصاءات العامة تشير إلى أن تعداد سكان المملكة سيتجاوز 30 مليون نسمة بحلول عام 2015؛ وأن نحو 37.8 في المائة من السكان يقعون ضمن فئة الشباب؛ أي أن الطلب على المساكن في تصاعد مستمر طوال العقود القادمة، وسيظل الطلب على المساكن في السعودية في تصاعد مستمر طالما ظلت معدلات الزيادة في عدد السكان في المعدلات التي تقترب من 4 في المائة سنويا.
وواضح مما سبق أن حكومة خادم الحرمين الشريفين تعطي قضية الإسكان أهمية كبيرة، لأنه من غير المقبول ولا المعقول أن نحو 70 في المائة من المواطنين السعوديين لا يملكون سكنا.
والحقيقة أن متوسط دخل العائل السعودي يقع - في أحسن الأحوال - بين خمسة آلاف ريال وسبعة آلاف ريال، هذا المستوى من الدخل لا يتيح للإنسان السعودي فرصة شراء أرض وتسديد أقساط القرض الذي قد يصل إلى نحو مليون ريال، يضاف إلى ذلك الشباب حديثو التخرج الذين لا يملكون من متاع الدنيا شيئاً، كما يضاف إلى ذلك أن شريحة كبيرة من المواطنين ممن فوجئوا بأنهم لا يملكون عقاراً.. هم من الذين بلغوا الـ 60 خريفاً وأحيلوا إلى التقاعد، وبدل أن نكرمهم ونهيئ لهم سكنا يؤويهم يفاجأون بأننا نسحب منهم وظائفهم ثم نتركهم في العراء دون مأوى ومسكن، الأكثر غبناً من ذلك أن البنوك (للأسف جميع البنوك الوطنية) تتفق على إنزال عقوبة الحرمان من منح القروض ضد كل مواطن بلغ سن الـ 60، لا لذنب اقترفه وإنما لأنه بلغ سن اليأس أي سن الـ 60 عاماً، وكأن سن الـ 60 هو سن الانتقام وليس سن التكريم والامتنان.
وما ينقصنا في مشاريع الإسكان غياب الخطة الاستراتيجية المحدثة التي تراعي معدلات الزيادة في بناء المساكن جنبا إلى جنب مع معدلات الزيادة في عدد السكان.
وإذا كانت المقاربة بين معدلات الزيادة في عدد المساكن مع معدلات زيادة في السكان من الأمور التي يصعب تحقيقها؛ فإن وجود خطط استراتيجية تضمن حدوث مواءمة مستمرة بين معدلات الزيادة في السكان مع معدلات الزيادة في الإسكان، أمر بات ضروريا حتى يتحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في السعودية.
ونعرف جميعا أن القطاع العقاري - بصورة عامة - يقوم بدور مهم في النشاط الاقتصادي، حيث يحتل المرتبة الثانية بعد قطاع النفط ويسهم بنحو 9.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي؛ وهو لذلك له دور كبير في منظومة النشاط الاقتصادي، حيث إنه يوفر فرص عمل كثيفة للشباب وفرصا استثمارية متجددة لأصحاب الأعمال.