بعد 10 أعوام من إطلاقه .. هل يصمد اليورو؟

منذ عشر سنوات خلت تم إطلاق اليورو عملة موحدة لدول الاتحاد النقدي الأوروبي، التي نظر إليها على أنها تجسيد لبلوغ هذه الدول قمة التكامل الاقتصادي باستخدام عملة واحدة في جميع أنحاء الدول الأعضاء في الاتحاد، ومع بدء استخدام اليورو تعاظمت الآمال المعلقة على العملة الموحدة بتحوله إلى عملة الاحتياط العالمية الأولى، وباحتمال أن يحل محل الدولار الذي كان يواجه متاعب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

#2#
في خلال فترة قصيرة من إصداره، استطاع اليورو أن يثبت أنه عملة قوية ومستقرة ويتزايد تفضيلها عبر أنحاء أوروبا والعالم، وأصبح المكون الثاني في احتياطيات دول العالم بعد الدولار. الجدول رقم (1) يوضح تطور احتياطيات البنوك المركزية لدول العالم خلال الفترة من 2002 حتى الربع الثالث من عام 2011، وفقا لأحدث بيانات صندوق النقد الدولي، ووفقا للجدول بلغت احتياطيات البنوك المركزية في العالم في الربع الثالث من عام 2011 نحو 10.2 تريليون دولار، منها 5.4 تريليون دولار احتياطيات مخصصة، ووفقا للجدول تزايدت احتياطيات البنوك المركزية المخصصة باليورو في مختلف أنحاء العالم من 427 مليار دولار في عام 2002، إلى 1.4 تريليون دولار في الربع الثالث من 2011.

#3#
يعد عام 2007 عام الصعود العالمي لليورو، ففي قمة الفورة الاقتصادية في العالم في هذا العام تصاعدت النداءات باستخدام اليورو كعملة احتياط عالمية بدلا من الدولار، وأخذ الطلب على اليورو في التزايد على نحو واضح مع ميل الدولار إلى التراجع. غير أنه أخيرا تراجع الطلب العالمي على اليورو كعملة احتياط، كما يلاحظ من الجدول أن احتياطيات البنوك المركزية في العالم المخصصة باليورو مالت نحو التراجع في الربع الثالث من عام 2011 مقارنة بالوضع في الربع الثاني من 2011.
كنسبة من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية المخصصة، بلغت احتياطيات البنوك المركزية باليورو إلى إجمالي الاحتياطيات المخصصة 23.8 في المائة في عام 2002، ومالت هذه النسبة إلى التزايد بشكل عام حتى بلغت أعلى مستوياتها في 2009، حيث بلغت 27.6 في المائة، قبل أن تميل نحو التراجع إلى 25.7 في المائة إلى إجمالي الاحتياطيات العالمية المخصصة في الربع الثالث من عام 2011.
سنة بعد أخرى تزداد المعاملات اليومية باليورو في السوق العالمية للنقد الأجنبي، فوفقا للجدول رقم (2)، الذي يوضح توزيع المعاملات اليومية بعملات العالم في السوق العالمية للنقد الأجنبي كنسبة من المعاملات اليومية وفقا لآخر تقارير بنك التسويات الدولية في 2010، يلاحظ أن التعاملات اليومية في سوق النقد الأجنبي باستخدام اليورو مالت نحو التزايد على المستوى العالمي، فوفقا للجدول يلاحظ أن نسبة التعامل اليومي بالدولار لليورو إلى إجمالي المعاملات في سوق النقد الأجنبي قد تزايدت من 37.9 في المائة يوميا في نيسان (أبريل) 2001 إلى 39.1 في المائة من المعاملات اليومية في السوق العالمية للنقد الأجنبي، لاحظ أيضا أن كل عملية تعامل في سوق النقد الأجنبي تتطلب استخدام عملتين، وبالتالي فإن إجمالي نسبة التعامل بالنقد الأجنبي لمجموع العملات لا بد أن يساوي 200 في المائة، بدلا من 100 في المائة.
اليوم وبعد أن أكمل اليورو عامه العاشر فإن كل هذه الإنجازات لهذه العملة الدولية تدور التساؤلات حول إمكانية استمرارها عملة موحدة وعملة احتياط عالمية. فقد أصبح ينظر عالميا إلى تجربة إصدار اليورو على أنها تجربة مملوءة بالثغرات والأخطاء، بسبب أزمة الديون الأوروبية، واليوم انعكست الصورة وأخذ الطلب العالمي على اليورو في التراجع نتيجة للمخاطر المحيطة بهذه العملة. فالوضع الدولي لليورو، يعد الآن أكثر خطورة عن اليوم الذي أصدر فيه، كما أصبحت الصدمات تلاحق اليورو من كل جانب، فما إن تم التوصل إلى حل لمشكلة سيولة اليونان حتى انضمت إيرلندا إلى قائمة الدول الأعضاء في اليورو المضطربة ماليا، وفي عام 2011 انضمت البرتغال إلى قائمة الدول التي تتطلب إنقاذا ماليا. اليوم وبعد أن انضمت إيطاليا إلى القائمة، وهي ثالث أكبر دولة مدينة في العالم وأكبر دولة مدينة في أوروبا، أصبح المحللون لا يثقون بقدرة اليورو ربما على اجتياز عام 2012.
على الجانب الآخر، نجد أن دولا خارج اليورو مثل آيسلندا، التي تعرضت لضربات قوية بفعل الأزمة العالمية، تتعافى من أزمتها بعد أن سمحت لعملتها بالانخفاض، بينما تشير استفتاءات الرأي إلى أن الكثير من مواطني دول اليورو يدركون الآن أن عملاتهم القديمة ربما كانت أكثر استقرارا وأمنا من العملة الموحدة، اليورو.
من ناحية أخرى، فإن النمو في أوروبا، ومنذ الربع الأول من العام الماضي، يواجه الكثير من المتاعب، فمعظم دول منطقة اليورو إما تنمو بمعدلات نمو سالب أو تنمو بمعدلات هامشية للغاية، أو لا تنمو على الإطلاق، واليوم تتأهب أوروبا لدخول أعتاب عام جديد سمته الأساسية التقشف من أجل السيطرة على عجز الميزانية ونمو الديون العامة، وهو ما يتوقع أن يتراجع معه النمو على نحو كبير، وتستند هذه السيناريوهات إلى أن الصادرات الأوروبية إلى الخارج تتراجع على نحو واضح، والاستثمارات الخاصة تميل نحو التراجع نتيجة لخطط التقشف القاسية التي تطبقها بعض الحكومات الأوروبية كي تضع عجز ميزانيتها تحت السيطرة، ويلاحظ أنه ليس فقط الإنفاق الاستثماري هو الذي يتراجع، إنما، وهذا هو الأهم، الإنفاق الاستهلاكي أيضا.
العالم الآن منقسم إذن إلى ثلاث مناطق رئيسة، فالولايات المتحدة في جانب، صورتها في 2012 تبدو أكثر استقرارا واطمئنانا، خصوصا مع البيانات شبه المطمئنة التي تتدفق من سوق العمل الأمريكي التي تشير إلى تحسن أوضاع سوق العمل، على الرغم من النمو المتواضع الذي يحققه الاقتصاد الأمريكي حاليا، كذلك تبدو الأوضاع على نحو أفضل في آسيا والدول الناشئة. منطقة واحدة تمثل حاليا مصدر القلق الأساسي في العام وهي أوروبا، وبالتحديد منطقة اليورو، التي يتوقع أن ترى عاما صعبا في 2012.
لسوء الحظ أن برامج التقشف التي تتبناها الكثير من حكومات الدول الأوروبية هي آخر ما ينتظره الاقتصاد الأوروبي في هذه المرحلة لتحفيز النمو، غير أن الحكومات الأوروبية تريد أن ترسل رسالة مطمئنة للأسواق بأن هذه الحكومات عازمة على تحقيق الانضباط المالي المناسب الذي يمكن أن يبعث ثقة الأسواق باقتصادات هذه الدول. أوروبا إذن تحتاج إلى مزيد من الطلب الكلي كي تتلافى تراجع معدلات النمو فيها. مع الأسف الشديد فإن محفزات الطلب الكلي (بصفة أساسية معدلات الفائدة والتضخم) عند مستويات دنيا حاليا، ومن ثم فإن احتمالات تصاعد الطلب الكلي في المستقبل القريب ستكون مقيدة على نحو كبير، وإن عام 2012 سيكون مماثلا في تطوراته في أوروبا على نحو مماثل لما حدث في 2011، على أفضل الأحوال، أو ربما أسوأ. الكثير من السيناريوهات تتحدث عن أوروبا مضطربة في 2012 والسيناريوهات الحالية تدور حول أن الاقتصاد الأوروبي سيسقط إلى الهاوية، لكن بالطبع هذه التنبؤات قد تكون خاطئة وقد لا تتحقق.
مع انقضاء الشهر الأخير من 2011 كان اليورو قد تراجع بالنسبة للدولار بما لا يقل عن 15 في المائة من قيمته، لكنه مع ذلك ما زال أعلى من قيمته بالنسبة للدولار عندما تم إصداره. فهل يسير اليورو في عقده الثاني على نحو سلس؟ شخصيا أميل إلى الاعتقاد بنعم، ففي رأيي أن اليورو عملة أصدرت لتبقى وستظل قائمة، صحيح أن اليورو يواجه امتحانا صعبا وقاسيا حاليا، إلا أنه سيستمر عملة موحدة.
في رأيي - أن اليورو سينهار في حالة واحدة وهي تفكك الوحدة النقدية الأوروبية وانهيار معاهدة ماسترخت، وكي يحدث ذلك لا بد أن تتعرض أوروبا لأزمة مالية خانقة على نمط ما حدث في 2008 مع انهيار بنك ليمان براذرز، وهذا بالطبع يتطلب انهيار دولة رئيسة في ديونها مثل إيطاليا، على الرغم من أنه ليس هناك ضمان لعدم حدوث مثل هذا السيناريو، إلا أنه من الواضح حتى الآن أن أوروبا تتخذ الإجراءات اللازمة لكيلا يحدث ذلك، وهذا ما صرحت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما قالت إن أوروبا ستفعل أي شيء لإنقاذ اليورو. بل أزيد، إن العالم ربما يفعل أي شيء لإنقاذ اليورو.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي