محمد الدعيع والنقش على الحجر
كثيرون مروا ولم يقف لهم الزمن.. كثيرون عبروا خفافا على الذاكرة، المبدعون، المؤثرون، من لهم بصمة، من امتلكوا الحضور هم من تنتابك رغبة في كسر القلم حين تكتب حروف وداعهم.
محمد الدعيع ريح طيبة عطرت هذا الزمن، وأصبح قدوة ومضرب المثل في الصبر والشجاعة فكلاهما أضحى عنوانا وصنوا له في ملاعب المستديرة، محمد الدعيع أتمنى ألا تذهب بعيداً بعد هذا الاحتفال فالكرة الجميلة والخلق الرفيع يطالبانك بالبقاء، فنحن في "زمن التطوير والبحث عن الذات من جديد"، نحتاج إلى أمثالك مع الجيل القادم لتروي لهم قصص المثابرة فأنت من "رسم على الصخر ونقش على الحجر"، أخبرهم كم مرة طردت وهم يرددون "ما تنفع تكون لاعب" ولأنك تريد أن تكون فالمجد سبيله"همم الرجال وهي مطيته"، فقد عدت لتعتلي القمة ودخلت الملعب كي تحرس الفريق الأول وتغرس في قلبه الأمان بعد أن تكاثروا عليك والفرصة في أشبالهم.
أخبرهم كذلك كيف أن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود حتى وأنت تسير بك خطاك نحو عرين المنتخب فقد كنت على الهامش ولم يعيروك اهتماماً، أخبرهم كيف لم يحفلوا بقدومك فأصبحت أنت "الرقم الصعب" وأنت العدد وغيرك يتم ترتيبهم بعد ذلك، قد تكون حروفي وكلماتي غير الكلمات لكن ثق أنها كلمات روحها التقدير ونفسها الحب لمن قدم للوطن ولمن ساهم في إضاءت جانب مشرق من تاريخ وطننا الرياضي فلم تخضع ولم تخنع "للموضة ولا للوك" بقيت محمد الدعيع الأصيل أتيت وبقيت كذلك حتى النهاية، أحبك الجميع لأنك أحببت الجميع ولأنك أبقيت الكرة "داخل الملعب" ولم تنقلها معك خارجه.
سيذكرك الهلاليون كثيرا حين تتوالى الهجمات ويتساءلون أين الدعيع كأنك "خط بارليف أو سور الصين" مستحضرين لحظات التحدي عندما تقول للاعبين سجلوا أنتم واتركوا الباقي علي، وفي المنتخب مع فائق التقدير للبقية لم يستطيعوا سد الخلل فرددت الجماهير "آه لكن من يسد مكانه".
تعلمنا منذ الصغر أن النقش على الحجر ليس مثل الكتابة على الماء، النقش يبقى ويدوم فهنيئاً لك ما كسبته من محبة القلوب الصافية وهنيئاً ما سطرته من فخر ومجد شخصي.
في زمن الاحتراف جعلت لحراس المرمى نجومية مطلقة ولا نخالف الحقيقة حين نقول إنك كنت ركناً أساسيا وركيزة لبطولات الهلال والمنتخب، فمع ناديك يشهد ملعب جدة في النهائي الشهير فلا مدرب ولا تكتيك كنت أنت البطل وشهد رئيس ناديك بذلك بفرحة فوز لم يكن لها مثيل، بطولة من فم الأسد ووسط عرينه.
كنت موجهاً وقائداً ولذلك كم كنت مجنوناً بحكمة وكم كنت خبيراً بدهاء وكنت تردد قصيدة شاعر الوطن "تجهل العيال منا وحنا العيلا " فأردتها بطولة بطريقتك تأمر ياسر متى يسجل وتنهاه وتحدد له الوقت فقط سجل في الشوط الثاني كي لا تستفز جماهير الاتحاد منذ البداية "واترك الباقي علي" أي ثقة وأي عزيمة! وفعلاً الرجال "قول وفعل".
"قسوة البدايات أثمرت وهج وسطوع النهاية هذه هي الحكاية باختصار"، وإن شئتم فقولوا "تصغر في عين العظيم العظائم"، وفي جانب آخر من الحكاية حين تريدون رجالاً يعشقون الصعاب في الملعب استنسخوا حكايته وسيرته وارووها للجيل القادم كي يرتوي عطشى القيادة والعطاء من معين أبو عبد العزيز، وحين تريدون العودة للزمن الجميل استنسخوا "البداية والمبادئ ذاتها " وحين تريدون القيادة جهزوا لها مثل " فكره وقوته".
ربما أكون قد أغفلت شيئا أو نسيته ولكن لن تنساك ذاكرة الوطن لن ينساك المجد الذي غرسته فهل رأيتم نقشا يزول من على الحجر! بل ستبقى "كأطلال برقة ثهمد" يأوي إليها من فقد الزمن الجميل يستأنس بطيب الماضي الجميل.
الخاتمة
عقلك كالمظلة لا يعمل إلا إذا انفتح.