صهيوني أكثر من صهيون نفسه!
مرشحو الحزب الجمهوري لرئاسة الحكومة الأمريكية هم في الغالب وبوجه عام من أكثر المؤيدين لسياسة ووجود الحكومة الصهيونية في إسرائيل. وربما أن ذلك يعود إلى كون معظمهم ينتمي إلى فئة المحافظين في أمريكا، إضافة لانتمائهم أيضًا إلى ما يُسمى المتصهينين الذين يؤمنون بعودة المسيح إلى أرض فلسطين، ولكن بعد أن يَصفى حكمها لليهود دون منازع. وفي اعتقادهم أن نزول المسيح هو إنذار بزوال الديانة اليهودية والإسلامية وبقاء الديانة المسيحية. وهذا هو السبب في تفاني المتصهينين ودعمهم لليهود في فلسطين منذ عهد ممثل هوليوود رونالد ريجن ومنْ أتى بعده أمثال جورج بوش الابن إلى المرشح الجديد، نيوت جينجريتش. وهذا الأخير إنسان مشهور بالغطرسة والتصريحات المتناقضة، نراه اليوم يبدأ رحلته الطويلة الفاشلة ـــ بإذن الله ـــ، بتصريح بذيء، قال فيه ما معناه، إنه لا يوجد على البسيطة إنسان أو شعب فلسطيني. وأن (الملايين من البشر) الذين يوجدون على أرض فلسطين المحتلة الآن ومنذ آلاف السنين هم ـــ بزعمه وضآلة معلوماته ـــ مجرد عرب، وبإمكانهم أن يذهبوا إلى أيٍّ من البلدان العربية. ونحن نعلم أن بنيامين نتنياهو وجولدا مائير نفسيهما، وهما قمة في التطرف، لم يقل أي واحد منهما إنه لا يوجد شعب فلسطيني، بل إن جينجريتش، وبقلة ذوق، نعت الشعب الفلسطيني المناضل بأنهم مجموعة من الإرهابيين! ويظهر أن نيوت جينجريتش ليس مُلِمًّا بتعريف كلمة الإرهاب، وإلا لفهم أن الدولة التي يُحامي عنها، وهو لا يُمثلها، هي قمة في الإرهاب. وما عليه إلا الرجوع إلى آخر المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل منذ ثلاث سنوات في غزة، وهي من الهمجية التي أدانتها جميع شعوب العالم، وأن بلاده التي يعيش فوق أرضها مُتَّهمة بممارسة شتى أنواع الإرهاب. فاسأل اليابانيين الذين راحوا ضحايا قنابل أمريكا الذرية في مدينتي نجازاكي وهيروشيما، والفيتناميين الذين قتلهم الجيش الأمريكي بقنابله الجهنمية ومواده الكيماوية الحارقة، وآلاف الأفغان العُزَّل الذين أُسقطت على رؤوسهم وهم نيام في بيوتهم الصواريخ المدمرة التي لا تفرق بين مدني وعسكري ولا بين رجل وطفل. واسأل سجون أبو غريب وجوانتانامو وما كان يُرتكب داخلهما من منكرات التعذيب الذي لا تُقره المواثيق الدولية.
وما قاله نيوت جينجريتش في هذا التوقيت بالذات، وهو من باب التقرُّب إلى الدولة الصهيونية، لم يكن مُستغربًا من أحد مرشحي الرئاسة في الولايات المتحدة بمناسبة بداية الإعداد لانتخابات الرئاسة التي تُعقد كل أربع سنوات. وهو أطلق هذا التصريح أمام تجمع يهودي، رغبة في كسب تأييد الأقلية اليهودية في أمريكا التي تُسيطر سيطرة كاملة على معظم وسائل الإعلام هناك. وفي المناسبات السابقة كان المرشح للرئاسة لا تتعدى تصريحاته التعهد بضمان أمن إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. ولكن المستغرَب أن التصريح الذي أدلى به هذا الرجل تعدى كل الحدود وطمس التاريخ وفضح جهله بمبادئ المنطق. فهو لم يُدرك أن أكثر من 90 في المائة من الشعب اليهودي في فلسطين قد توافدوا على الأرض المحتلة من جميع أصقاع الأرض خلال العقود القليلة الماضية. وأن الشعب الأمريكي نفسه، وهو واحد منهم، قد نزح آباؤهم منذ فقط عدة قرون إلى القارة الأمريكية، التي لم يكونوا يملكونها، وطردوا سكانها الأصليين، الهنود الحُمُر، بعد أن قتلوا منهم دون رحمة أكثر من ستة ملايين نسمة من الرجال والنساء والأطفال ظلمًا وعدوانًا. فالإرهاب مُتأصل حتى في الشعب الأمريكي منذ أن وطئت أقدامهم أراضي الولايات المتحدة. وظهر ذلك جليًّا خلال الـ100 عام الماضية عندما أقحمت أمريكا نفسها في الحربين العالميتين وفي حروب كوريا وفيتنام وأخيرًا في العراق وأفغانستان.
وما كان لمرشح الرئاسة الأمريكية أن يتعدى على هيبة الشعب الفلسطيني لولا أن القضية الفلسطينية مع شديد الأسف قد فقدت كل مقوماتها، فلا حكومة شرعية ولا سلطة فيها خير ولا شعب موحد ولا مقاومة ولا يحزنون. ومما زاد الطين بلة، تولي الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل الحكم في هذا الظرف الحرج بزعامة نتنياهو، الذي وجد غياب ممثل حقيقي للشعب الفلسطيني فرصة لطمس القضية عن طريق الإكثار من بناء المستوطنات وصرف نظر العالم عنها بإثارة قضايا هامشية، مثل برنامج إيران النووي الذي يدَّعي كذبًا ونفاقًا أنه يُهدد أمن إسرائيل. وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة ألا حياة ولا أمل للشعب الفلسطيني أن يسترد ولو بعضًا مما فقده إلا بتبني استراتيجية جديدة تبدأ بتغيير شامل لجميع قياداته المتفرقة والمتنافرة وإبدالها بقيادة وطنية شبابية موحدة. فلا مكان اليوم لتلك الأحزاب والتنظيمات والحركات والفصائل التي عفى عليها الزمن، حتى تكون له حكومة مُعترف بها على كامل تُراب أرضه وداخل حدود مُؤمَّنة. وحينها لن يأتي مُخرِّف من أمثال نيوت جينجريتش وينفي وجود شعب فلسطيني هو الأصل في أرض فلسطين.
ولكن يزول العجب عندما نعلم أن هذا المرشح هو من المنبع نفسه الذي أفرز الرؤساء الكاوبويز أمثال ''الممثل'' رونالد ريجن وجورج بوش الابن. فهل يقبل الشعب الأمريكي برئيس أكثر جهلاً منهم؟