رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما مصير بدل السكن؟

ناقش مجلس الشورى قبل عدة أسابيع مقترحا لصرف بدل سكن لموظفي الدولة بسبب أن بعض المواطنين لا يملكون سكنا، إضافة إلى ارتفاع الإيجارات بشكل كبير يصعب فيه الحصول على سكن مناسب، كما أنه يصرف بدل سكن للموظفين من غير السعوديين فمن حق المواطنين مساواتهم بالوافدين. وقد أشار المجلس في حينه إلى أن السكن يعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى الاستقرار النفسي ومن ثم الاجتماعي للمواطن، كما أن بدل السكن المقترح سيكون مؤقتا لحين تمكن المواطن من تأمين سكن له ولأسرته عن طريق التمويل العقاري رغم أن المجلس لم يبين أي نوع من التمويل؟ هل يقصد قروض صندوق التنمية العقاري؟ أم عن طريق الرهن العقاري؟ أم القروض التمويلية الاستنزافية من البنوك المحلية؟
إلا أن الموضوع اختفى من الساحة، فلم نعد نسمع عن بدل السكن؟ ولا ندري ماذا توصل إليه المجلس بهذا الخصوص؟ وما نتيجة النقاش والتصويت وكل الأمور المتعلقة بالموضوع؟
وقد أثار هذا الموضوع في ذهني عدة تساؤلات في حينه إلا أنني آثرت تأجيلها قليلا لحين معرفة نتيجة تصويت المجلس. ولكن مادمنا لم نسمع أي نتيجة فإنني سأنثر ما في جعبتي في هذا المقال. في البداية نريد أن نعرف هل تصويت المجلس على المبلغ الذي سيصرف للمواطن أم على المبدأ ذاته؟ أي هل المجلس مقتنع بأن الناس في حاجة إلى سكن وهم فقط يناقشون المبلغ الذي سيكفيهم؟ أم أن القناعة بحاجة المواطن إلى بدل السكن لم تحسم بعد؟
إذا كان المجلس لم يقتنع بعد بأهمية وضرورة السكن للمواطن ويريد أن يناقش مبدأ أحقيته في بدل السكن فكأنه يطرح إحدى المسلمات للنقاش. وحتى تتضح الصورة دعونا نضرب مثالا: لو افترضنا أن المجلس أراد أن يصوت على قضية "حظر استيراد الأغذية الضارة" أو "محاربة المخدرات" وطرح الموضوع على المجلس وتم مناقشة خطر الأغذية الضارة أو خطر المخدرات على صحة الإنسان. أي أن المجلس يريد أن يعرف هل هناك خطر للمخدرات على صحة الناس؟ وكأنه يريد أن يعرف الإجابة عن السؤال التالي: هل من العقل محاربة المخدرات؟ أو هل من المنطق منع استيراد الأغذية الضارة؟ مثل هذه الموضوعات لا تحتاج إلى جلسات أو تصويت أو مناقشة فهي من المسلمات التي يعرفها الصغير قبل الكبير والأمي قبل المتعلم. إن مهمة المجلس في مثل هذه الأمور تنحصر في وضع الآلية التي ينبغي أن تحارب بها المخدرات والطريقة التي تتبع للتضييق على استيراد الأغذية الضارة، أما خطر المخدرات فلا أحد ينكره ومخاطر الأغذية الضارة الكل متفق عليه.
نعود لموضوع بدل السكن ونقول: هل هناك من يشك أن المواطن لا يحتاج إلى سكن؟ أو أن صرف بدل سكن يعد ترفا يجب التأكد من أحقية المواطن إليه؟ هل من المعقول أن يبقى المواطن في بلده لا يجد مأوى مناسبا له ولأسرته؟ ليعلم الجميع أن أكثر من نصف موظفي الدولة لا يملكون سكنا غالبيتهم شارفوا على التقاعد، هذا عن الموظفين فما بالك بالعاطلين. ولنعلم جميعا أن جزءا كبيرا من المواطنين يستدينون من أجل دفع إيجار السكن بل إن بعضهم يعجز عن دفع فاتورة الكهرباء. ألا يعلم أولئك الذين لا يزالون يشكون هل يستحق المواطن سكنا أم لا؟ إن المواطن يظل مستأجرا لسنوات يتنقل من مكان إلى آخر مع زوجته وأسرته ويبقى على حاله حتى يشب أبناؤه عن الطوق ثم يتعاون الجميع ـــ الأب والأولاد والبنات ـــ الموظفين منهم والموظفات ـــ ويستدينون من البنوك من أجل امتلاك قطعة أرض وتظل رواتبهم رهينة للبنوك حتى ُتسترد القروض بتكاليفها الجائرة، ثم يحزمون أمرهم مرة أخرى ويحصلون على قرض آخر لبناء وتشييد مسكن العمر.
وفي خضم هذه الأحداث يتوفى الأب وينتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن تقر عيناه برؤية المنزل فلم يكف عمره رؤية الحلم. ويواصل أبناؤه من بعده المسيرة ويصرون على الكفاح وبعد عقود يكتمل المنزل إلا أنه لا يحقق مطالبهم، فقد تبدلت الأحوال فلم يعودوا تحت لواء رجل واحد بل أصبحوا أسرا مستقلة، فالكل قد تزوج وأنجب وأصبح له بنون وبنات وحفدة فكيف يكفي المنزل الذي أسس بنيانه قبل عقود كل هذه الحشود؟!
فيقررون عرض الحلم بعد أن تحقق (المنزل) للبيع ويتقاسمون ثمنه وتبدأ الدورة من جديد. تبدأ الأسر الفرعية بالاستدانة من البنك للحصول على قطعة أرض كما فعل أشياعهم من قبل تم يبدأ البناء من جديد ويموت الآباء واحد تلو الآخر فلم يعودا شبابا يافعين بل شيوخ هرمون، وينهج الجيل الثالث نهج من سبقهم ويسيرون على خطاهم وتبقى الأجيال تكافح من أجل أن تتحقق أمنية امتلاك منزل، إلا أن الأحوال تتعقد والأمور تسوء فيظلون مستأجرين يتنقلون خائفين بين الأحياء ويصبح تحقق بيت العمر ليس لفرد واحد بل لعائلة بأكملها ضربا من الخيال.
هذه بعض معاناة الناس في رحلة امتلاك العقار، ومن أراد أن يتوثق فعليه أن يذهب بنفسه ويسمع قصصهم ويرى معاناتهم وكيف تكافح الأجيال من أجل فناء يضم أجنحتهم أو دور تحفظ عليهم كرامتهم. يجب على الجهات التي تهتم بأمور الناس وتناقش مثل هذه الضروريات ألا نخضع المسلمات للدراسة والتمحيص وعليها أن تعمل على إيجاد حل جوهري لمعاناة الناس، فقضية السكن تمثل بالفعل أزمة حقيقية ومعضلة لا يعرفها إلا من يكابدها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي