رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


وحدة السياسة النقدية الخليجية

تشير أدبيات العلوم المالية إلى نظرية رئيسة ذات ارتباط وثيق باستقراء مستقبل الاتحادات الاقتصادية تتعلق بأهمية وجود التوافق البيني بين الدورات الاقتصادية التي يمر بها كل اقتصاد محلي واقع ضمن اتحاد نقدي مشترك. تفترض هذه النظرية أن أحد الأسباب الرئيسة لنجاح أي اتحاد وحدة نقدية مشتركة، أن تكون الدورة الاقتصادية التي يمر بها كل اقتصاد محلي على حدة ضمن اتحاد اقتصادي منسجمة ومتوافقة مع ما تمر به الاقتصادات المحلية الأخرى. على سبيل المثال، عندما يمر الاقتصاد السعودي بمرحلة نمو اقتصادي وزيادة في الإنفاق الحكومي وتراجع في معدلات التضخم، فإنه من الأهمية أن تكون جميع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تمر بذات مراحل النمو وتسجل مستويات متقاربة في المؤشرات الاقتصادية. وعندما يتوافر هذا الشرط تكون فرصة نجاح الوحدة النقدية بين مجموعة الاقتصادات المحلية مسألة وقت لا أكثر، والعكس صحيح.
لم يكن التضخم ظاهرة اقتصادية تؤرق اقتصادات دول المجلس حتى مطلع العقد الميلادي الماضي عندما سجلت أسعار النفط مستويات جديدة مقارنة بعقد التسعينيات الميلادية. فوصلت أسعار النفط في نهاية 2002 إلى سعر 31.21 دولار أمريكي. ثم واصلت تسجيل أسعار مرتفعة عند 32.50 دولار أمريكي نهاية 2003، وعند 61.06 دولار أمريكي نهاية 2005، وحتى منتصف 2008 عندما سجلت أسعار النفط مستويات تاريخية جديدة.
أسهم ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة الماضية بشكل إيجابي في زيادة كل من عائدة النفط ومستوى السيولة النقدية لاقتصادات دول المجلس. انعكس ذلك الإسهام الإيجابي في زيادة المخاوف من زيادة معدلات التضخم عن مستوياته الطبيعية خلال الفترة السابقة. لم تلبث هذه المخاوف حتى تبلورت إلى حقيقة لمستها شعوب دول المجلس خلال الفترة الماضية عندما رسمت معدلات التضخم اتجاهات تصاعدية جديدة.
فسجل معدل التضخم في الاقتصاد السعودي مستويات حادة بانتقاله من مستوى دون 1 في المائة عام 2004 إلى فوق 10 في المائة عام 2008. واتخذت معدلات التضخم في دول المجلس الأخرى منحى مشابها وبوتائر متباينة بعض الشيء. فسجل معدل التضخم المستوى الأعلى في قطر منتصف 2008 بعد تسجيله للمستوى الأدنى في 2001. وعمان كذلك سجل معدل التضخم لديها المستوى الأعلى في منتصف 2008 بعد تسجيله المستوى الأدنى في 2000. أدت هذه التطورات إلى حدوث تباين في مستويات التضخم بين دول المجلس. بلغ هذا التباين حدة مطلع 2003 واستمر إلى اليوم بعد أن سجّل هذا التباين مستوى تقارب شديد خلال الفترة 1997 إلى 2002.
شكلت مجموعة من التطورات الاقتصادية خلال الفترة الماضية دوافع اقتصادية منطقية لزيادة معدل التضخم في اقتصادات دول المجلس. من أهم هذه التطورات الاقتصادية، أولاً، انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الدولية الأخرى، وما نتج عن ذلك من زيادة أسعار الواردات من الأسواق غير الأمريكية. وثانياً، زيادة رواتب الموظفين في اقتصادات دول المجلس بنسب متباينة، وما نتج عن ذلك من زيادة القوة الشرائية للمستهلك الخليجي. وثالثاً، التوسع في مشاريع البنى التحتية، وما نتج عن ذلك من زيادة الطلب على كل من الموارد البشرية والأراضي الاقتصادية ومواد البناء. ورابعاً، الاستئثار بقطاعي الصناعات النفطية والإنشاءات لاستيعاب العائدات النفطية وما نتج عن ذلك من زيادة مستويات السيولة في هذين القطاعين.
ولنلق نظرة مقارنة بين مستوى الإنفاق الحكومي وعوائد النفط لكل دولة من دول المجلس خلال الـ 20 عاما الماضية. حيث يلاحظ أن الإنفاق الحكومي في دول المجلس دائماً ما يفوق عوائد النفط باستثناء حالات عديدة. ففي المملكة فاقت عائدات النفط مستوى الإنفاق الحكومي، وفي الكويت فاقت عائدات النفط مستوى الإنفاق الحكومي خلال الفترة 2004 ـــ 2008، وفي قطر سجل عاما 2000 و2008 حالات تجاوز عائدات النفط مستوى الإنفاق الحكومي، وفي الإمارات فاقت عائدات النفط مستوى الإنفاق الحكومي خلال الفترة 2006 ـــ 2008، وفي عمان والبحرين سجل عام 2008 تجاوز عائدات النفط مستوى الإنفاق الحكومي.
عملت جميع هذه التطورات بشكل متجانس مع مثيلاتها في الاقتصاد العالمي عطفاً على تأثير وتأثر اقتصادات دول المجلس بالاقتصاد العالمي. حيث ينظر لهذه التطورات على الصعيد العالمي على أنها مترابطة بشكل أو بآخر مع تطورات اقتصادات دول المجلس.
صدرت دراسة مطلع الأسبوع الحالي من صندوق النقد الدولي بعنوان ''اختلافات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي ومدى العلاقة مع أسواق النفط''. هدفت الدراسة إلى التعرف على العوامل الرئيسة التي تؤثر في حدوث تباين بين معدلات التضخم بين دول المجلس. اعتمدت الدراسة على بيانات سلة المستهلك، ووزن بند الإيجار في سلة المستهلك، وأسعار صرف العملات الخليجية، وحجم الائتمان الممنوح للقطاع الخاص. أخذت هذه البيانات بشكل شهري لكل دولة من دول المجلس على مدى 20 عاما خلال الفترة 1991 ـــ 2009. ثم أجرت الدراسة مجموعة من المقارنات البينية بين كل اقتصاد من دول المجلس والاقتصادات الخمسة الباقية. من النتائج التي توصلت لها الدراسة أن السوق النفطية العالمية تسهم بشكل رئيس في إحداث التضخم في دول المجلس. ونظراً للتباين بين العائدات النفطية بين دول المجلس، فإن معدلات التضخم تتأثر بالسياسة المالية المتبعة في كل دولة من دول المجلس على حدة.
وعندما تتباين أدوات هذه السياسة بين دولة وأخرى، فإن النتائج المستوفاة لا بد أن تؤثر في حدوث تباين بين مستويات التضخم. وبما أن معظم دول المجلس تستهدف تذليل تحديات ظهور الوحدة النقدية الخليجية، فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على تكثيف الجهود نحو توحيد أدوات السياسة النقدية بين دول المجلس بما يؤهلها لإصدار الوحدة النقدية الخليجية بحجم أقل من التحديات وبمساحة أربح من ضمان النجاح وضمن الوقت المحدد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي