تضخم الذات
عندما تستمع لفرد من الأفراد أو تراقب سلوكه وتصرفاته تلاحظ أنه يكثر من استخدام مصطلح أنا، كما يتعمد بصورة مباشرة أو غير مباشرة إبراز إنجازاته، أو ما يعتقد أنه إنجازات، وقد يستوقفك مثل هذا الموقف فتتساءل هل هذا الفرد طبيعي، أم أنه خارج المستوى الطبيعي؟ أفراد كثر ومن مجتمعات عدة يلاحظ عليهم مثل هذا السلوك وليس الأمر خاصاً بثقافة أو مجتمع من المجتمعات، بل إن هذا الصنف من الناس تتكرر ملاحظته في كافة المجتمعات، كما أنه لا ينحصر في فئة اجتماعية دون أخرى، ولا بذوي مهنة دون أخرى.
تضخم الذات يظهر على تصرفات المديرين، والرؤساء، وزعماء الدول حين تأتي تصرفاتهم بفوقية، وبتعال مع احتقار للآخر، ونظرة دونية له. المصاب بتضخم الذات يتصرف على أساس أن أفعاله، وسلوكه، وكذلك أقواله، وأفكاره، كلها سليمة، في حين أن تصرفات، وأفكار، وأقوال الآخرين خاطئة. تضخم الذات يجعل صاحبه ممجداً لذاته، مبرزاً خصائصه الحميدة، أما الآخر فلا يرى فيه إلا العيوب والنقائص.
متضخم الذات كثير النقد للآخرين، ونقده يكون بلا سند موضوعي، أو علمي، وإنما قائم على أحكام ذاتية توجهها المشاعر، والعواطف وليست الأحكام العقلانية التي تحتكم إلى المنطق. وبحكم المسافة الفاصلة بين متضخم الذات والواقع وكذا المحيطين به في طريقة التفكير والنظر للأمور والحكم عليها يكون متضخم الذات معوقاً للعمل، وإن أنجز فيتم إنجازه بصورة غير مناسبة نظراً لأسلوب التعسف الذي يمارسه في إدارة العمل خاصة إذا كان متضخم الذات ذا نفوذ وبيده سلطة كأن يكون رئيس دولة، أو مدير شركة، أو وزيرا، أو مدير جامعة، وما إلى ذلك من المراكز الوظيفية التي تمكن صاحبها من فرد عضلاته على الجميع دون السماح لأحد بالمشاركة في اتخاذ القرار، وفي الغالب يطالب الأتباع بحكم الارتباط الوظيفي بالتنفيذ دون ممانعة، أو حتى مساءلة، أو اقتراح، لأن هذا يعتبر قدحاً، ومساساً بشخصه كما يعتقد من يعاني تضخم الذات.
تساءلت بشأن تضخم الذات، وهل هو ذو منشأ بيولوجي، أم أنه مكتسب، فألفيت، ومن خلال الاستعراض التاريخي لنماذج تعاني تضخم الذات، وبالذات الزعماء، وذوي النفوذ، أن تضخم الذات مكتسب تسهم في تشكيله البيئة المحيطة بالفرد سواء البيئة القريبة منه كالوالدين، والإخوة، وكافة أفراد الأسرة، وكذلك الظروف، والمواقف التي يمر بها الفرد خاصة مع المتعاملين معه كالمرؤوسين الذين يضخمون من أفعال الفرد، ويصورونها على أساس أنها إنجازات غير مسبوقة حتى يصاب بالغرور، ومع الوقت، ومع تكرار عمليات تزوير الحقائق يصل الأمر بالفرد إلى الاعتقاد بعبقريته المزيفة.
زعماء دول كثر، وغيرهم عبر التاريخ، أصيبوا بهذا الداء نظراً لأن المحيطين بهم تعودوا، أو عُودوا، على عدم النقد، وعدم الاختلاف مع الزعيم، أو الرئيس، بل والسعي لتزييف الحقائق، وإظهارها بالشكل الذي يرضي الزعيم، ومع تكرار هذه الممارسات يصل المرء إلى مرحلة تضخم الذات المرضية التي تفقد الفرد قدرته على التمييز بين الصحيح، والخطأ، وبين المفيد، والضار، وما الأوضاع التي يعيشها العالم العربي إلا بسبب تضخم الذات التي يعانيها البعض وأعاقهم عن معرفة الحقيقة في الدول التي يحكمونها لأنهم لا يسمعون طوال حكمهم إلا ما يطربهم من الكلام، وما يشعرهم بأن الأمور على ما يرام، وتسير بالشكل الصحيح، وعندما طفح الكيل، وتحركت الشعوب ضد الممارسات التعسفية التي تمارس بحقهم، اكتشف متضخمو الذات الواقع بصورته الحقيقية، وتبين أن ما كان يقال لهم ما هو إلا أوهام فوقها أوهام.
في ذات يوم كنت أشاهد مقابلة مع أحد المسؤولين في دولة من الدول، وكان يستخدم كلمات تعظم ذاته، كما أنه يتعمد ذكر أعماله، وأفعاله، وإنجازاته - كما يعتقد - وبصورة متعسفة تشعر المستمع بالنفور والتقزز لأن ما ذكره بمقدور أي فرد عادي أن يقوم به رغم عدم توفر الإمكانات المتوفرة لهذا المسؤول، ما يؤكد حالة تضخم الذات التي يعانيها ذلك المسؤول.