رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ولكنك تقتل شعبك.. أيها الرئيس!

شاهدنا، كما شاهد الملايين، ما قاله رئيس الحكومة السورية بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامية الأمريكية الشهيرة، باربرا وولترز. فقد أضحكنا كثيرًا المنطق الغريب الذي استخدمه في المقابلة، وشر البلية ما يُضحك. يقول الرئيس بشار: إنه غير مسؤول عما يحدث في سورية من قتل وإعدام وتشويه للأجساد وسجن ينتهي بصاحبه إلى الموت! ويقول إنه لا يعلم عن الجرائم التي يعرضها الإعلام على أنها تُرتكب في سورية وإنه شخصياًّ لم يُعط أي أوامر لقتل المواطنين. ويا ليته بعد ذلك سكت وختم اللقاء، ولكنه أضاف وبكل ثقة بأن الرئيس الذي يقتل شعبه '' مجنون ''. ونقول هذه المرة صدقت يا سيادة الرئيس. ومنْ الذي إذًا يُدير شؤون البلاد ويأمر بقمع وقتل المواطنين العُزَّل؟ هل هو حزب البعث المتسلط على الحكم منذ أكثر من 40 عاماً؟ لا فرق، فالرئيس هو المسؤول الأول وإلا فلا قيمة لرئاسته وعليه أن يتنحى. وكان بودنا لو أن السيدة باربرا وولترز طرحت علي بشار الأسد السؤال التالي: لماذا لم نشاهد أثراً للعصابات الإرهابية المُسلحة التي يتحدث النظام عنها، عندما تخرج الجماعات التي تؤيد الرئيس، ويتواجد الإرهابيون فقط لقتل المواطنين الذين يتظاهرون سلمياًّ؟
ويظهر أن أركان الحكومة السورية يعيشون في عصر ما قبل ثورة الاتصالات. فقبل 30 عاما، وفي غفلة من الزمن،ً قتل الأمن والجيش السوري عشرات الآلاف من المواطنين في مدينة حماه بدم بارد، ولم ينقل الإعلام عن تلك المجزرة الرهيبة إلا اليسير. أما اليوم فالأمر مختلف. فالإنترنت والجوالات تنقل الحدث على الهواء بدقة عالية، ولا هناك أي مجال لإنكار الوقائع التي يبثها الإعلام المرئي مباشرة من الشارع.
وربما أن بشار لا يُدرك أن أمامه مصيرا لا يرحم إذا لم يرحل في أسرع وقت ممكن. ونخشى أن يكون بشار الأسد يسير على خطى سلفه العقيد معمر القذافي الذي كان يُردد ليل نهار وبكبرياء أنه لا يحكم ليبيا، وفي النهاية لقي حتفه المحتوم بطريقة بشعة والعياذ بالله. فماذا ينتظر الأسد؟ هل سيفلت من مصير مظلم إذا ما وقع يوماً في قبضة الشعب، فليس له مهرب من ذلك المصير؟ ولماذا كل هذه الغطرسة، وهل من المعقول أن قلبه لا يعرف طريق الرحمة؟ ألا يتحرك ضميره وهو يُشاهد دماء شعبه وجثثه تملأ شاشات الفضائيات؟ ماذا ينتظر والشعب قد عقد عزمه على إسقاطه ولو بعد حين من الدهر، بدليل أن الشعب السوري لم يعد بإمكانه ولا في نيته وقف الاحتجاجات والمظاهرات، على الرغم من ارتفاع عدد القتلى في نهاية كل يوم على أيدي فَجَرَة النظام أو ما يُطلق عليهم ''الشِّبيحة''.
والمؤسف أن لا أحد سجل موقفاً جاداًّ لوقف هذه المجازر التي تحصد أرواح المواطنين في كل بقعة من أرجاء سورية. فالدول العربية مُنقسمة على نفسها بين المصالح القومية والخوف من أنْ تطولها شرارة المطالبات بإسقاط النظام، ما عدا دولتين أو ثلاثا. ويظهر أن الدول الغربية ومعظم الدول الأخرى قد دفنوا رؤوسهم في الرمال وسدوا آذانهم حتى لا يروا جريان الدماء ولا يسمعوا صياح المنكوبين ولا نداء المكلومين، باستثناء الدولة التركية التي لها موقف مُشرف يشهد به كل ذي ضمير حي. ولكن يداً واحدة، كما يقول المثل، لا تُصفِّق. وهنا تبرز الحقيقة وشناعة الازدواجية عند الكثير من الدول الكبرى. فعندما قامت الثورة الليبية هب المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والدول الغربية لمساندة الشعب الليبي مالياًّ ومعنوياّ وعسكرياًّ بحجة نصرة وحماية الشعب ضد بطش الفئة الحاكمة، وهو أمر كان له ما يُبرره. ومع أن ما يحدث اليوم في سورية من قتل وإهدار لكرامة الإنسان هو في واقع الأمر يُماثل أو أكثر فظاعة مما كان يجري في ليبيا، إلا أن تلك الدول تغض بصرها وتلتزم الصمت. والدول القليلة التي تناصر جلادي سورية، مثل إيران والصين وروسيا، سيأسفون عند ما يؤول حكم البلاد إلى المخلصين من أبناء الشعب السوري، وهو - بإذن الله - حاصل لا محالة.
ومن الملاحظ أن التغييرات الجوهرية التي حدثت أخيرا في تونس وليبيا ومصر وتسببت في تأسيس حكم جديد لكل منها فهي، على أهميتها، لم تؤثر في سياسات وروابط الدول المجاورة وعلى المنطقة بوجه عام. أما إذا سقطت الحكومة السورية الحالية وتبدل الوضع إلى تكوين حكومة ذات نظام شعبي ديمقراطي، فإن ذلك سيقلب خريطة العلاقات السياسية والاقتصادية في المنطقة رأساً على عقب. وسيطول هذا التغيير العلاقات مع دولة إيران والعراق ولبنان، وربما يُنشئ علاقات أفضل مع تركيا والسعودية والأردن وباقي دول الخليج. وسيعمل الكيان الجديد في سورية، دون أي شك، على الانفتاح الكامل على معظم دول العالم، مما يجلب ـــ إن شاء الله ـــ للشعب السوري المناضل كل خير ورفاهية بما حباه الله من ثروات طبيعية وبشرية.
ما يحدث اليوم في سورية من وحشية همجية ورعونة مُبرمجة لا يمكن لنا أن نتخيل أنه يصدر من ولي أمر له ذرة من عقل. ووصف فاعله بالمجنون لا يصل إلى مستوى هذا العمل الإجرامي الذي لا يُفرق بين رجل مسالم وامرأة داخل بيتها وطفل بريء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي