الحوادث المروعة.. السبيل لتفاديها

لقد فُجعنا، كما فُجع المجتمع السعودي بأكمله، بالحوادث المرورية التي أدت بحياة عدد كبير من طالبات الجامعة مع قائدي مركباتهن في وضح النهار وعلى مقربة من محطة الوصول. 12 طالبة في حادث واحد في المنطقة الشمالية، وحادث آخر في منطقة جازان تسبب في وفاة طالبتين. ويزيد من الأسى ما سمعناه من أن صاحب المركبة كان قد أزال المقاعد وحشر 13 راكبة في حوض صغير وكأنهن خراف في حوض ''ونيت''. وشريط أحداث الطرق متواصل ما لم نطور أسلوب التعامل مع قيادة المركبات عن طريق نشر الوعي وتشديد الرقابة وتطوير المواصفات. الطرق الرئيسة وشوارع المدن مع شديد الأسف خالية من رجال المرور والفوضى المرورية لا حدود لها. ولا ندري ما هي مهمة رجال أمن الطرق، إذا لم يكن من صُلب واجباتهم مراقبة السرعة التي تصل أمام أعينهم إلى أكثر من 170 كيلو مترا في الساعة، وهي بكل المقاييس سرعة جنونية، ومع ذلك هم لا يحركون ساكنا تجاهها، وكأن الأمر لا يعنيهم. فهل لنا أن نسأل: ما هي إذًا مهمتهم؟
وأظهرت تقارير وزارة الصحة التي كانت قد نُشرت منذ عدة سنوات أن إصابات الحوادث المرورية تشغل 30 في المائة من أسرة المستشفيات. وتُفيد دراسات مُوثقة أن حوادث الطرق تُكلف الاقتصاد الوطني أكثر من 13 مليار ريال سنوياًّ، إلى جانب ما يتعدى خمسة آلاف وفاة وعشرات الألوف من المصابين. ومن المؤكد أن هذه الأرقام قد ارتفعت اليوم إلى مستويات جديدة، فالحال تسير من سيء إلى أسوأ. ألا يكفي ذلك ليثير في نفوسنا الهلع ويدفعنا إلى مضاعفة الجهود للتعرف على موطن الخلل؟ إن أول وأهم عنصر من عناصر القيادة الوقائية مفقود عندنا، وهو ربط حزام الأمان، الذي أثبتت أبحاث السلامة المرورية أنه يُقلل من حدة الإصابات المرورية ـــ بإذن الله ـــ بما يصل إلى نسبة 70 في المائة. فعندما تتصادم مركبتان، وجهاً لوجه، وهما تسيران بسرعة عالية نسبياًّ، تتوقف فجأة حركتهما وتتحول السرعة من مستواها العالي قبل الصدمة إلى الصفر. وهذا الوقوف المفاجئ يُسبب عملية ارتجاج لجسم الراكب من أسفله إلى رأسه. فإذا لم يكن رابطاً حزام الأمان حول مُنتصف قامته، من أجل تثبيت جسده على المقعد ومقاومة قوة الصدمة، فسوف يتحمل الجزء الأعلى من الجسم، وخصوصاً الرقبة، الذبذبة القوية والمفاجئة، ما قد يؤثر في النخاع الشوكي، والنتيجة الله يحفظنا ويحفظكم، إما الوفاة أو الشلل الكامل. وفي حالة ربط حزام السلامة، فإن الراكب بقدرة الله يكون أكثر ثباتاً في المقعد ومقاومة عنف الصدمة. وقد أثبتت ذلك التجارب العملية المسجلة على أشرطة فيديو، واستُخدِمت فيها ''دميات'' بحجم الإنسان وكاميرات مُركزة داخل المركبة من أجل أن تعكس طبيعة ما يحدث للركاب خلال الصدمات والانقلابات.
وعودة إلى بداية الموضوع، وهو كثرة تَعرُّض الطالبات والمعلمات للحوادث المميتة، لأن ظروف حياتهن تجبرهن على قطع مسافات طويلة يومياًّ. وبوجه عام، فكل ما يُحيط بنقلهن غير طبيعي ويُؤدي إلى وقوع الحوادث. فهن عادة يقطعن مسافة طويلة قد تصل إلى مئات الكيلومترات. ويستخدمن أسوأ أنواع المركبات من ناحية شروط السلامة، بما في ذلك عدم وجود أحزمة الأمان في بعض الحالات. حتى بوجود الأحزمة فمن المؤكد أن نسبة كبيرة من الركاب لا يستخدمونها جهلاً بأهميتها. وأكثر الطرق التي يسلكنها الطالبات والمعلمات يومياّ، ذهاباً وإياباً، تكون في الغالب رديئة وضيقة وعديمة الصيانة. ومن الملاحظ أن أغلب قائدي مركبات نقلهن ليس لديهم المهارات المطلوبة في مثل تلك الظروف، ويغلب عليهم الإرهاق وقلة النوم الكافي، ما يجعلهم في كثير من الأحوال مُعرضين للنعاس أثناء السير. ولا نشك في أنهم يقودون مركباتهم بسرعة عالية لا تتناسب مع حالة الطريق. وأقل ما يمكن عمله من أجل تخفيف وقوع الحوادث وتقليل أثرهن هو إلزام الجهة الناقلة بعدم استخدام المركبات التي لا تحتوي على أربطة الأمان والتأكيد على السائق والراكبات بأهمية ربط الحزام. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام، ما الجهة المسؤولة التي يجب عليها أن تُبدي ولو جزءاً يسيرا من الاهتمام بسلامة بناتنا وأبنائنا ولا تبحث عن الأعذار التي تُعفيها من المسؤولية؟ً فمنظر الطريق الذي كانت الطالبات المنكوبات ـــ عليهن رحمة الله ـــ يعبرنه مرتين في اليوم، وكما شاهدنا عبر الصُّور المنشورة، يوحي بأنه لم يشهد أي نوع من الصيانة لسنوات طويلة. ويكفي وجود حفرة عميقة في وسط الطريق، وكأنها مصيدة للمركبات المسرعة. ونتمنى لو أن وزارة الصحة التي تُعاني مرافقها إشغال أسرتها بآلاف المصابين أن يكون لها دور فاعل في التوعية المرورية.
ونحن نعلم أن هناك نخبة من المواطنين المخلصين يعملون على تكوين لجان للسلامة المرورية في بعض المناطق. وأملنا أن تكون هناك لجنة مُوحَّدة على مستوى المملكة، وتكون لها صولات وجولات مع المسؤولين في إدارات المرور والدفاع المدني ووزارة الصحة والبلديات وإدارات التعليم والشركات الكبيرة ذات الخبرة الواسعة في مجال السلامة مثل شركة أرامكو السعودية، من أجل تكاتف الجميع لتصميم وتنفيذ برنامج وطني مُكثف يضمن تقليل عدد الحوادث، ويهدف إلى الحد من شدة وعمق الإصابات.
ومهما أعددنا من برامج توعوية وإرشادات فلن نستغني عن دور الرقابة الشديدة من قِبل إدارة المرور ومحاسبة المخالفين ممن لا يتورعون، هداهم الله، في مخالفة أي نظام على وجه الأرض.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي