مساهمة الإسلام في التجارة والصيرفة الحديثة
قد لا يصدقنا البعض عندما نقول إن الإسلام في حقيقته لا يقبل الكثير مما نلاحظه من سلبيات في الدول والمجتمعات التي تدين به. وأكثر ما يعارض الإسلام كفكر ونعمة للبشرية هو العنف غير المبرر ضد الآخرين المختلفين عنه فكريا ومذهبيا وطائفيا ودينيا.
وعندما تتوافر الظروف الملائمة للإسلام كي يظهر على حقيقته تهرع الناس للاستفادة من أخلاقة التي - مع الأسف الشديد - تخلى عنها الكثير من أتباعه.
وهنا أقصد مساهمة الفكر الإسلامي في التجارة والاقتصاد والصيرفة الحديثة، حيث تهرع الناس اليوم في الغرب إلى وضع ما تملكه من أموال في مصارف تطبق الشريعة الإسلامية السمحة.
الصيرفة الإسلامية وما يتعلق بها من بنوك وحسابات صارت اليوم عِلما قائما بذاته تدرّسه الجامعات الغربية وتمنح فيه أعلى الشهادات ويتبحر فيه علماء من غير المسلمين.
واليوم تمنح جامعات عديدة شهادات الماجستير في هذا العلم، ومنها مدرسة لندن للاقتصاد الشهيرة.
وبينما كانت المصارف الغربية الكبيرة تترنح تحت ثقل الأزمة الاقتصادية - كما أشيع - كانت المصارف الإسلامية، ولا سيما في الغرب، في ازدهار رغم أنها لا تتعامل بالربا ''سعر الفائدة''. فما السر؟
السر واضح. هذه المصارف وحسب كبريات الصحف الاقتصادية في الغرب تتعامل مع الناس ومع الشركات والمنظمات من منطلق الأخلاق الإسلامية الحميدة التي لا تقبل الغش ولا الكذب ولا الرياء ولا النفاق ولا التزوير ولا السرقة ولا تقبل الاستثمار في مجالات غير أخلاقية وما أكثرها اليوم.
وأخيرا اعترفت صحيفة ''فاينانشيال تايمز'' بأن معظم زبائن المصارف الإسلامية في الغرب اليوم من غير المسلمين - أي عامة الناس من الذين ما زالوا يؤمنون بأن الأخلاق الحميدة تأتي قبل الربح والصفقة التجارية.
والكتب العلمية والأكاديمية عن الاقتصاد من وجهة نظر إسلامية في ازدياد مطرد والطلب عليها كبير جدا في الغرب، وذلك لازدياد أعداد طلبة الجامعات من الذين يرغبون في الاختصاص في الصيرفة الإسلامية والمحاسبة الإسلامية والتجارة الإسلامية. وهناك عدة مجلات علمية أكاديمية في الغرب في هذا الشأن.
واليوم، وحسب جريدة ''فاينانشيال تايمز''، التخصص في الصيرفة الإسلامية يأتي في المرتبة الثانية في العلوم الاقتصادية في مدارس وجامعات العالم التي تعنى بشؤون الاقتصاد.
لا يتسع الحيز المخصص لهذا العمود التحدث بإسهاب عن الاقتصاد الإسلامي ولكن هذه الظاهرة العالمية مثار غبطة لنا نحن الكتاب والأساتذة المعنيين بالشؤون العربية والإسلامية في الغرب، لأنها تبرهن بالدليل القاطع أننا صادقون عند تحدثنا عن فضائل الإسلام وأخلاقه.
ألم تكن هذه الأخلاق بالذات التي جذبت شعوبا بأكملها في جنوب شرق آسيا صوب هذا الدين ولم تطأ أراضيهم أقدام جندي مسلم واحد، واليوم تشكل شعوبها الأغلبية الساحقة من المسلمين في العالم؟
وما يشرح صدر المختصين بشؤون الإسلام في الغرب هو الحداثة والعصرنة التي تعامل بها المسلمون المعنيون ومنهم دعاة وشيوخ مع هذه المسألة الحساسة، حيث إنهم استجابوا في تفسيرهم للنص المقدس والحديث الشريف لمتطلبات هذا العصر.
وهكذا نرى كيف يستأنس المسلمون بآراء علماء غربيين في الاقتصاد وينقلون المفاهيم والمعادلات الاقتصادية الغربية التي تنسجم مع روح الأخلاق الإسلامية في إدارة شؤون البنوك الإسلامية التي لا يمكن أن تحيا في جزيرة خارج نطاق الصيرفة العالمية.
ونحن في شوق كي نرى الأخلاق الإسلامية الحميدة تطبق في مناحٍ أخرى من الحياة العصرية. وللموضوع صلة.
وجمعتكم مباركة وإلى اللقاء.