أكثر القطاعات تعرضا للإفساد هو الأسهل اختراقا (1 من 2)
الفساد مفردة عرفت وأفردت في معانيها مقالات في هذا العصر ومنذ الأزل. المؤلفات العلمية والثقافية غير المنهجية كثيرة، إضافة إلى ما يكتب بين وقت وآخر ولا يعد مرجعا يحوي جديدا. المفكرون والكتاب تابعوا ولا يزالون كذلك، لتحديث المعاني وحصر ما يمكن أن يستجد من مصطلحات من أجل تنوير جيل اليوم ومن يليهم على أقل تقدير. لو تأملنا ما تمتلكه لغتنا الجميلة من مرادفات لنتائج ''الإفساد'' لوجدنا بحرا من الكلمات تضم بينها: ''إنهاك، إجهاد، إضعاف، إفلاس، إفقار، إهمال، إحباط، إكراه، إسكات، إخراس، إخضاع، إغراق، إعدام''، .. ويمكن الإسهاب في ذلك. من هذا يمكن تصور مدى بشاعة ما يؤول إليه عمل مثل هذا وما مدى الحاجة للخروج من وضع مؤسف كهذا. ولكن لأننا نسعى للرقي فلابد أن نناقش الأمور والتعامل مع المشكلة بشكل علمي وجدي، حتى تجتث النبتة السيئة من الأرض الطيبة.
عالميا نشرت الأبحاث والدراسات التي بنيت على الاستقصاءات والتجريب أيضا وشكلت اللجان والهيئات (وحتى شكلت وزارات للشفافية في بعض البلدان) ومن ثم المنظمات التي عممت تقنين التعامل مع الفساد وبسط الشفافية بأسلوب استراتيجي. فما الذي يمكن أن نخرج به بعد ذلك؟. يمكن للجادين أن يزوروا مواقع المنظمات الدولية والهيئات المحلية للشفافية ومحاربة الفساد ليتابعوا كيف يتم تصنيف الأنشطة وما هي المقاييس التي اتفق عليها لتصنيف الدول أو المؤسسات أو المجموعات والأفراد في موضوع الفساد والشفافية. من قراءة النشر العلمي فقد ركزت الدراسات الحديثة على محاربة الفساد بتعرية المواقع والمواقف والمسارات التي يمكن أن يتسرب لها في كل قطاع على حدة. أما من يتصدى لذلك فهم أهل الاختصاص ممن يشهد لهم بالنزاهة والشفافية كل حسب المجال. هذا قاد إلى توفير مؤشرات القياس لتحديد مستوى الاستفحال ونسبة تأثيره في أي مجتمع ومن ثم تصنيف دول العالم حسب مستوى الفساد وإعلان النتائج علنية على الانترنت كنوع من برامج التوعية. ما شد انتباهي هو التركيز على نقاط الاختراق ومواطن الضعف للاستفادة منها في تحسين برامج التثقيف الاجتماعية. وهنا يكمن السؤال: في هذه الحالة أي الجهات أو القطاعات أكثر قابلية للإفساد؟.
مبدئيا لابد أن نعرف بأن الفساد لا ينتشر إلا في الأجهزة الأضعف تأسيسا وتكوينا وبنيانا وتنظيما والأكثر علاقة بالإنسان وحياته اليومية. لاشك أن الفساد إذا انتشر لا يترك زراعة أو صناعة أو سياحة أو تجارة أو بصفة عامة قطاع المال والأعمال، إلا وتعرض لها وأفسدها. ولكن ما يراد التركيز عليه هو أنه إذا أراد الفرد أو المؤسسة أو الكيان أن يبدأ بالحلول فمن المهم أن يستوعب ما يحيط بالمشكلة من ملابسات ثم تقر خطة للعمل يشترك فيها مجموعات من المجتمع بين صاحب قرار وفرد اعتيادي ليكون اتخاذ الحل والحل ناجعا ومؤثرا إذا ما انتقل من مرحلة لأخرى في استراتيجية الحل.
لقد اتفق على أن يكون القطاع الصحي أكثر القطاعات تعرضا للإفساد مع قطاع التعليم. فالأول معقد التركيب والإجراء وعديد الأطراف المسؤولة في تنفيذ الخدمات الصحية في كافة المستويات على مستوى الرقعة العامة للدولة وعلى مستوى العالم للارتباطات والعلاقات بين أركان العالم فيما يتعلق بشأن الأمراض المعدية مثلا. أما الثاني فلحجم الميزانية التي ترصد له وبالذات في الدول الآسيوية والإفريقية وأمريكا الجنوبية، إضافة إلى الشمال الشرقي لأوروبا، ولأن التعليم يعنى بالعقول والمعرفة وهذا لدى ''المضلَّل'' الذي استجاب للانحراف هدف أكبر لأنه سيولد له أجيالا تسير على خطاه. هذان القطاعان هما محاور تطوير وتحسين ورفعة أي امة وبالتالي يمكن عن طريقهما تحريك التخطيط غير المتوازن ودعم المشاريع غير المدروسة بكفاية وعناية، ومن ثم إضعاف وإنهاك الأبدان والعقول في باقي المنظومة وهو ما يقود إلى التدهور.
من واقع النشر العلمي، في القطاع الصحي تتمحور العوامل المؤثرة إيجابا أو سلبا في فساد القطاع حول: (1) مقدم الخدمة، (2) منسوب أو موزع أو مسوق الأدوية العلاجية وفئات هؤلاء متعددة، (3) العامل في مجال التأمين وعلى الأخص مسؤول التمويل والعلاج التنفيذي، (4) محترفو التقنية في الاتصالات والمعلومات. إضافة إلى هؤلاء (5) منسوب الإدارة الصحية من أصحاب القرار، (6) منسوب الإدارة الصحية من المسؤولين عن الشأن المالي (المشتريات والميزانية). في هذا المجال الصحي النتائج المحتملة لهذه الفئات هي: (1) تقليص كل الموارد المتاحة لتقديم خدمات صحية كافية قبل أن تكون جيدة ومجودة، (2) انخفاض جودة الأداء لكافة فئات الممارسين الصحيين، (3) زيادة حجم التكلفة في التشغيل الإداري والصحي (الوقائي والعلاجي) وقيم الأدوات والتجهيزات، (4) إحجام الناس عن استخدام الخدمة والتمتع بها فيكون تأثير ذلك حرقا لكل الجهود التي تبذل في سبيل تطوير النظام الصحي ليكون متميزا. من ناحية أخرى تسميم أفكار بعض الأفراد وبالتالي شريحة كبيرة من المجتمع. (5) وأخيرا تبدأ المؤشرات في التدهور المؤدي إلى ارتكاب أكبر جريمة وهي الموت والفناء في بيئة لم يكن ينقصها سوى التكامل والتكافل ليعيش الإنسان حياة كريمة.. وللحديث تتمة.