طريقة الشيخ
من المعتاد أن نسمع عبارة ''لكل شيخ طريقته''، وقد ارتبط مصطلح الطريقة بالصوفية ومشايخها، وطرقها المختلفة، حيث تتميز كل طريقة بطقوس خاصة تمارس من خلالها ما تعتقد أنه المناسب في التعبير عن مشاعرها الروحية، ولذا تعددت الطرق والأساليب وتعددت معها الطرق الصوفية التي تتميز كل واحدة منها بممارسات وطقوس تختلف عن الطرق الأخرى. وإذا كان المصطلح قد ارتبط في الأصل بالتوجه الصوفي إلا أن استخدامه لم يعد قاصراً على هذا التوجه، بل أصبح استخدامه في مجالات عدة، إذ يمكن أن يكون مرادفاً في الوقت الراهن لمفاهيم عدة مثل الأسلوب الإداري، وطريقة العلاج، وطريقة إعداد وجبة من الوجبات، وطريقة تدريس، أو طريقة إنجاز شيء من الأشياء كما في بعض المهن، أو الحرف كتصميم لفستان، أو أسلوب نحت، أو أي عمل فني. تأملت في هذا المفهوم فألفيت أنه يعبر بطريقة واضحة عن الاختلاف أو التميز الذي يوجد عند فرد دون آخر في إنجاز، أو القيام بعمل من الأعمال حتى أنه ليشار إليه بالبنان في أسلوبه الخاص، لكن هذا لا يعني عدم التداخل مع الآخرين، والتقاطع معهم في مرحلة، أو بعض المراحل التي يمر بها إنجاز العمل. الساحة العالمية تعج بالمنتجات في جميع المجالات الثقافي والصناعي، والتربوي، والتقني، وقد عرف عن مؤسسات صناعية، وتعليمية، وإنتاجية، وخدماتية وجود علامة إنتاج تميزها عن غيرها، مما يعكس بشكل واضح معالم هذه المؤسسة، ويميزها عن غيرها، حتى أن الجامعات، بل الدول أصبح لها فلسفة إدارة خاصة، أو فلسفة تعليمية خاصة، ولذا لم تعد الطريقة حكراً على الأفراد كما قد يظن. المنتج الواحد قد ينتج منه عدة جهات لكنه لا بد من فروق نلمسها في هذا المنتج أو ذلك حسب جهة إنتاجه، ولذا يمكن أن يقال إن الطريقة قد تمثل اللمسات الخاصة أو النكهة التي يضيفها الفرد إلى المنتج أو السلعة مما يجعله مميزاً عن الآخرين.
هل الطريقة الخاصة بالفرد، أو المصنع، أو الجامعة تغني عن القواعد المشتركة؟ بالطبع لا فالخبرة البشرية تراكمية أسهم في إيجادها أمم كثر، وأفراد متعددون، ومع التسليم باختلاف الانتماءات، والثقافات التي جاءوا منها إلا أن ثمة قواعد مشتركة، وأصولا متعارفا عليها في إنجاز، أو إنتاج أي بضاعة من البضائع.
إن مصطلح لكل شيخ طريقته يماثل مصطلح المدارس المتعددة في التفكير، أو في الإدارة، أو في الإنتاج، وهذا التعدد والتنوع فيه إثراء للمعرفة ويبعث على الإبداع، والإنتاج الذي يميز المنتجات بعضها عن بعض، وهذا ما نجده في إنتاج السيارات، أو عند مصممي الأزياء، أو في النظريات الإدارية... إلخ حتى أنه ليقال الإدارة اليابانية أو الإدارة البريطانية، أو أسلوب الإدارة الأمريكية وهكذا.
لو أردنا أن نفسر هذا التعدد، والتنوع في الطرائق، أو المدارس لأمكن إحالة ذلك إلى أمور عدة منها الفلسفة العامة التي يتبناها المجتمع، أو الدولة حيث نجد المحافظة، أو التحرر، أو المركزية، أو اللامركزية، وهذا ينعكس بدوره على طريقة تفكير الأفراد الذين يتبنون فيما بعد طريقة، أو أسلوب عمل خاص، كما أن شخصية الفرد بخصائصها، وتفردها تسهم في الاختيار بين الطرائق. إن ثقافة الفرد، وكذلك المجتمع وخبراته، والمواقف المتنوعة التي مر بها ذات أثر بالغ في توجيهه نحو طريقة دون أخرى.
هل يمكن أن نقول إن طريقة الشيخ تماثل الماركة التي أصبحت علامة مميزة لكثير من المنتجات في الملابس، العطور، الحقائب، والسيارات وغيرها؟ نعم، ولذا نجد الاجتهاد من قبل المنتجين لجعل بضائعهم ذات علامات مميزة يكون لها حضورها في السوق، ويسهل تمييزها عن غيرها. إن المصمم، أو منتج أي سلعة هو شيخ في مهنته يميز من خلال علامة خاصة تعكس طريقة عمله، أو طريقة تفكيره، ونظرته للأمور والحياة بشكل عام.