المواطنون بين فداحة الفاجعة وتصريحات النائبة؟
فوجئنا مطلع هذا الأسبوع بكارثتين جديدتين ـــ ولا أظن أنهما الأخيرتان ـــ كانت الضحايا مواطنات، مخلصات، مكافحات، طموحات، دفعن ثمن التهور، والفساد، والتخبط، والأمن من العقوبة. تهاوت جثث بناتنا في مدينة حائل وهن مسافرات إلى الجامعة (يقطعن ما يقارب 600 كيلومتر يوميا) تهاوت أمامنا كأنها أعجاز نخل خاوية، وتم الصلاة عليهن في منظر مهيب محزن تتقطع من هوله القلوب كأننا في ميدان حرب لا تبقي ولا تذر.
والكارثة المماثلة الحريق الذي قضى على معلمتين في مدرسة براعم الوطن في مدينة جدة وأصاب ما يقارب من 44 طالبة ومعلمة دفعن ثمن الفساد، والتخبط، واللامبالاة والترهل التنظيمي. وقبل أن أستهل مقالي هذا أريد أن أقدم التعازي لذوي الضحايا في كلتا الحادثتين وأقول لذويهن أحسن الله عزاءكم، ورحم الله موتاكم، وتقبلوا الله شهدائكم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى ''إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا والله على ذلك لمحزونون''.
وأريد أن أركز في مقالي هذا على فاجعة المدرسة المنكوبة في جدة ويمكن أن يسحب كلامي على كارثة طالبات حائل وعلى غيرها من النكبات والكوارث التي طواها الزمن والتي ستأتي تباعا طالما استمرت الفوضى وتنصل أصحاب الضمائر الميتة من العقاب ولم يدفعوا الثمن باهظا.
كارثة مدارس براعم الوطن نتيجة طبيعية لمسيرة مؤسساتنا التنظيمية ورفضها النصح والمشورة وسيرها بطريقة عشوائية فلا تدري إلى أين نتيجة؟ وماذا تريد؟ فرسالتها غير واضحة وأهدافها غير محددة ورؤيتها ضبابية مشوهة. ألم يخطر ببال مسؤولي التربية والتعليم خصوصا النائبة ـــ التي ألقت اللوم على القضاء والقدر ـــ ألم يخطر ببالهم كيف يكون حال والدي المعلمتين اللتين قضتا نحبهما في الكارثة؟ ألم يجل في خواطرهم كيف سيكون عليه حال أبناء المعلمتين عندما يعودون إلى المنزل فيسألون عن أميهم فيتلقاهم صمت مظلم ثم تنعى إليهم الحقيقة المرة المبغضة بأن الأمين اللتين كانتا تتقاضيان 2500 ريال قد دفعتا حياتهما ثمنا لإهمال الجهات المعنية. وماذا عن الطالبات اللاتي ذهبن إلى مدرسة براعم الوطن في الغدو يحذوهن الأمل في يوم طموح، وعمل جاد، وذكريات عذبة، فوجدن أنفسهن في غرف الإنعاش أو على كراسي الإعاقة.
وهذه الفاجعة أثارت في النفوس شجونا وقيضت في القلوب ظنونا ولي هنا عدة وقفات.. لا أدرى كيف تكون في أذهان المسؤولين التخلي عن المسؤولية واتهام الآخر في مثل هذه المواقف وعدم الوقوف بشجاعة ومعالجة الأمور بعقلانية. فعلى أثر الفاجعة جاءتنا التصريحات والتخلي عن المسؤوليات. كل جهة ترمي باللائمة على الأخرى فوزارة التربية تتهم الدفاع المدني وهذه الأخيرة توجه اللوم للشؤون البلدية والقروية. إلا أن نائبة التربية والتعليم قد تألقت في هذا وابتكرت أسلوبا فريدا لم نعهده من قبل وهو إلقاؤها اللوم مباشرة على القضاء والقدر وكأنها تريد أن تستغل تدين الناس لتمييع الحادثة وقبول الفاجعة. ولا أظنها ستفعل هذا لو أن إحدى بناتها كانت ضمن اللاتي يرقدن في غرف الإنعاش في المستشفيات أو إحدى أخواتها كانت ضمن من دفعت حياتها لتحيي الصغيرات.
كنا نتمنى من النائبة أن تكون أكثر شجاعة وتضرب المثل في تحمل المسؤولية كاملة وألا تتهرب فتلقي باللوم على جهات أخرى أو على القضاء والقدر وإذا كان هناك معضلة في مواجهة هذه المواقف فعليها أن تلزم الصمت لأن كل كلمة تلفظ بها تحسب لها أو عليها. أما كان من الأجدر ـــ طالما وقعت الواقعة ـــ أن يكون التصريح على مستوى الحدث يحترم العقول ويراعي النفوس ويمتص الغضب. لقد أثبتت هذه الحادثة أن التربية والتعليم لا تتقن حتى فن مواجهة الجمهور ويظهر التفضل على المواطن والشعور بالفوقية حتى في وقت الأزمات.
نحن لا نعترض على قدر الله سبحانه وتعالى ولكننا نثور ونغضب على الفساد الذي يضرب أطنابه في بلادنا. فساد لا نراه بل نذوق ويلاته وندفع ثمن تخلينا عن مواجهته وتتبع أثره. والذي يدل على هذا أن التربية والتعليم بدأت مباشرة بُعيد الكارثة تسيير فرقا لفحص سلامة 33 ألف مدرسة، وهذا مؤشر واضح أن الوزارة لا تدري ما يدور حولها.
ونحن نتساءل: لماذا لا نبدأ في أداء المهام كما يجب إلا عندما تظهر الكوارث؟ لماذا لا نتنبأ بحدوثها قبل وقوعها بل ننتظر حتى نذوق ويلاتها؟ لماذا تظل أعمالنا تسير دائما بعشوائية فلا ندرك انحراف الطريق حتى نرى الكوارث تظهر أمامنا تكشف سوء إدارتنا وقلة خبرتنا. ولماذا دائما الذي يدفع الثمن الضعفاء ما بين طفولة بريئة أو امرأة شريفة مخلصة أو رجل شهم يكافح ويكابد لسد رمقه يتسلق جبل الحياة الوعر كالشيخ الضرير؟
رحم الله شهداء مدرسة براعم الوطن وطالبات جامعة حائل وجبر كسر أهلهن.