ليس بالإمكان أفضل مما كان
ليس بالإمكان أفضل مما كان.. مثل كثيرا ما نستخدمه في حياتنا اليومية وسواء كان استخدامنا له مناسباً أو غير مناسب، هذا في كثير من الأحيان ربما لا يعني كثيراً من استخدمه، فالمهم أن يتلفظ بهذا المثل. لماذا نستخدم هذا المثل؟ في ظني أن ما يدعونا لاستخدامه هو تبرير فشلنا في القيام بما يجب أن نقوم به أو تحقيق الهدف أو الأهداف التي رسمناها مسبقاً. هذا المثل وغيره من الأمثال الأخرى لها بعد تربوي، ونفسي ذو قيمة، وتأثير إيجابي، أو سلبي على الفرد، إذ إنه قد يريح الفرد المخفق في أداء الواجب قليلاً، ويزيل عنه مشاعر تأنيب الضمير التي قد يحس بها، كما أن استخدامه وتوظيفه قد يخفف من عتب الآخرين له الذين يتعاملون معه كرؤساء العمل، أو الوالدين اللذين يتوقعان من ابنهما الكثير لكن النتائج تأتي خلاف ما يتوقعانه.
صحيح أن الفرد قد يواجه ظروفاً تحول بينه وبين تحقيق أهدافه، أو الإخفاق في أداء المهمات بالشكل الصحيح، لكن المشكلة عندما يتحول هذا المثل إلى جزء من حياة بعض الناس يرون فيه ملاذاً آمناً لهم من نظرات الآخرين، أو من قراراتهم، أو من كلمات يسمعونها منهم، وهي غير محببة لهم. وعلى شاكلة هذا المثل مثل آخر كثيراً ما نردده في المنـزل، وأمام الطلاب، وفي مجالسنا لكننا لا نحسب حساباً لما يمكن أن يحدثه من أثر سلبي إذا تحول إلى ما يشبه القاعدة التربوية، المثل يقول ''مد رجليك على قدر لحافك''.
تأملت في هذه الأمثال وتساءلت ما الذي يمنع من أن نحولها إلى صيغ أخرى فنقول بالإمكان أفضل مما كان، أي تحذف أداة النفي وتبقى صيغة التأكيد على تحقيق ما نريد أو إنجاز ما يجب إنجازه وذلك حتى نبعد جميع المبررات الموضوعية والمتوهمة، وفي هذا التزام واستعداد نفسي يقوي صاحبه لتخطي الظروف كافة، والحواجز التي قد تعترضه، وهو يؤدي عملاً من الأعمال. القيمة التربوية، والنفسية لتحويل المثل من صيغته السائدة إلى الصيغة الجديدة تتمثل في خلق الأمل، والرفع من مستوى الدافعية بدلاً من الركون للكسل، والبحث عن الأعذار، والمبررات.
صحيح أن مثل ''مد رجليك على قد لحافك'' قد يسهم في خلق القناعة لدى الأفراد ويؤهلهم للتكيف مع الظروف التي يعيشونها، ولكن ما الذي يمنع من أن نسعى لجعل اللحاف على مقاسنا، أو أكبر لماذا نكيف أجسامنا مع اللحاف بدلاً من السعي، والتفكير في طريقة تجعل من اللحاف مناسباً لنا. اللحاف صنع لخدمتنا ووقايتنا من البرد في الأساس، وإذا ما كان قصيراً فلن نشعر بالراحة والدفء ولن نتلذذ بالنوم، لكن وعلى العكس من ذلك إذا كان كبيراً فسيكون النوم الهادئ، والمريح والدافئ الذي يكسبنا القوة، والنشاط لنمارس حياتنا، وأدوارنا بالشكل المناسب.
المخزون الثقافي ممثلاً في القصص، والشعر، والروايات، والأمثال الشعبية مليء بالحكم المبنية على تجارب، ومواقف مر بها فرد، أو جماعة، وعلى ضوء هذه التجربة تم صياغة الحكمة لكن الحكمة ليست بالضرورة صحيحة، وصادقة لكل الناس، كما أنها ليست بالضرورة مناسبة لكل الأزمنة، والأجيال، فلكل زمن رجاله، ولكل جيل ظروفه، وإمكانياته التي تحكم سلوكه، وطريقة تفكيره، ولذا لا بد من غربلة، وتنقيح هذه الأشياء حتى لا نستخدمها استخداماً خاطئاً تسهم في تكريس سلوكيات، وممارسات لا نرغبها، ومضرة في الوقت ذاته.
إن المثل بدلالته التي تخاطب العقل تحدث قناعات إما إيجابية أو سلبية، وهذه القناعات تنعكس على السلوك الذي يتصرف وفقه الفرد فيما بعد، ولذا فإن الأثر التربوي لهذه الأمثال كبير فهل نتمكن من استثمار الأمثال ذات القيمة التربوية العالية بدلاً من الالتزام بأمثلة ضررها كبير على الفرد والمجتمع الذي يتضرر بما يحدث للفرد من إخفاقات.