رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل نعاني من غياب في القيادات؟

البعض يتحدث عن غياب للقيادات الوطنية ليس فقط في القطاع الصحي وإنما في كل القطاعات الحكومية والخاصة. ولعل هذا الكلام يحتاج إلى مزيد من التحليل لمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذا الغياب. لعلنا ابتداء أن نتفق حول تعريف عام وسهل القياس للقائد من أجل توحيد المصطلحات حول هذا الموضوع، لأننا أحيانا لا نختلف على جوهر الموضوع وإنما في المصطلحات المستخدمة. فالتعريف السائد للقائد هو الشخص القادر على السير بالفريق لتحقيق الأهداف المرجوة من الفريق. وينطبق تعريف الفريق على الإدارات والقطاعات والشركات والمشاريع.
وللحكم بشكل علمي حول مدى غياب القادة فإننا نحتاج إلى بناء رؤية تحليلية من عدة زوايا. فمثلا هل غياب القيادات بسبب عدم وجودها أصلا بسبب ضعف التدريب اللازم للقادة؟ على قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه؟ أم أن سبب غياب القيادات يرجع لعدم إعطاء الفرصة لمن لديهم المهارات اللازمة للقيادة لممارسة قدراتهم القيادية (بسبب المحسوبيات وفساد في التعيينات)؟ أم أن القيادات موجودة لكن المشكلة تكمن في غياب الرؤية؟
هذا من جانب ومن جانب آخر هل الحكم بغياب القيادات هو نتيجة قياس واضح للأهداف المتوقع من القادة تحقيقها - وفق التعريف المذكور أعلاه - لكنهم فشلوا في تحقيقها؟ وفي حالة عدم تحقيق الأهداف المتوقعة هل تم تحليل الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل، أم أن الحكم على غياب القادة مجرد انطباعات شخصية كاختلاف الآراء حول أفضل الألوان (الأسود أم الأخضر أم الأحمر أم...)؟ لذا فالحكم على الأشخاص ومدى اكتسابهم مهارات القيادة لا يعدو كونه انطباعات شخصية مجردة لا تعكس بالضرورة حكما موضوعيا حول القادة المراد تقييمهم.
قد تختلف أهمية وجود قادة باختلاف القطاعات لكن القطاعات الحكومية من المؤسف أن يعتبرها البعض من أقل القطاعات حاجة للقيادات بسبب عدم قياسها للإنتاجية إجمالا، فضلا عن عجزها عن قياس نجاحات القادة وفق معادلة تحقيق العائد المرجو - التي هي أحد أهم عوامل تقييم نجاح أي قائد. ففي القطاعات الحكومية نجد أن الحكم على نجاح القائد من عدمه يعتمد على القدرة السياسية في التعامل مع الأحداث وليس بالضرورة الحنكة الإدارية. هذا النوع من الحكم يعتمد بشكل مباشر على القدرة على التواصل بطريقة يكتنفها الكثير من الدبلوماسية وليس بالضرورة القدرة على تحقيق الإنجاز. لذا تبرز قيادات لديها مهارات التعامل مع الأحداث والوقائع بمهارة عالية من الدبلوماسية وقليل من الإنتاجية. لكن هذا النوع من القادة قد يجامل ويعين غير الأكفاء بسبب غياب المحاسبة وفق الإنتاجية وسيادة ثقافة تجنب الخلافات بين الموظفين وإن كان ذلك على حساب تعطيل الخدمات المقدمة للمواطنين. فمن المعروف أن من يريد الإصلاح وتطوير العمل سيواجه حتما مقاومة قد تكون شرسة خصوصا من من يعرف بالحرس القديم - الموظفين المستفيدين من سوء الخدمة المقدمة.
ولا يعني كلامي هذا عدم أهمية وجود قادة في القطاعات الحكومية، بل إن القطاعات الحكومية من القطاعات التي تتطلب وجود قادة قادرين على تطوير مستوى الخدمة وتقليل التكلفة، مما ينتج عنه استثمار أفضل للموارد المالية المخصصة وزيادة الشريحة المستهدفة من الخدمة. كما أن لدينا في القطاعات الحكومية قادة استطاعوا تطوير مستوى الخدمة واستثمروا الموارد المالية المخصصة لهم بطريقة تجعلك ترفع لهم التحية احتراما وتقديرا لجهودهم.
إجمالا تلعب ثقافة المنشأة الدور الأساسي في ترتيب الأوليات وتحديد الصفات اللازمة للقائد؛ لذا فإن تغيير ما يعرف بثقافة المنشأة Organization Culture يلعب الدور الأبرز في تحديد مدى نجاح القائد. فمثلا إذا كانت الصفات المطلوب توافرها في القائد ليست القدرة على تقليل التكلفة ورفع مستوى الخدمة وإنما القدرة على تجنيب القيادات العليا الخلافات التي تنشأ أثناء مزاولة العمل وامتصاص هذا الخلاف للظهور بأن الأمور على خير ما يرام بعيدا عن تطوير الأداء. ففهم ثقافة المنشأة وأولوياتها ليست المكتوبة وإنما المنفذة هي الوصفة السريعة لضمان تولي مناصب قيادية بعيدا عن الجوانب الأخلاقية التي يفترض أن يلتزم بها أي قائد. لذا نجد أن من لديه قيم ومبادئ تحكم مسيرة سعيه نحو القيادة قد تصطدم هذه المبادئ والقيم مع واقع له أولويات ليست بالضرورة أولوية خدمة - المواطن أو تطوير أداء المنشأة. لأن من لديهم قيم ينظرون إلى تقديم الخدمة كأولوية في أعمالهم بينما الثقافة السائدة للمنشأة تنظر لمن لديهم القدرة على امتصاص الخلافات كأولوية في اختيار القادة. لذا تسود ثقافة إن قيل للمحسن أحسنت فلا يقال للمسيء أسأت.
لذا فإنني أعتقد أن الشعور بغياب القيادة يرجع إلى أن الأولويات المتوقعة من القائد تختلف من منشأة لأخرى بسبب الثقافة السلبية للمنشأة وليس بالضرورة غياب القادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي