إسرائيل وقنبلة إيران
عادت أخيرا إلى مسامعنا ثرثرة الحكومة الصهيونية في إسرائيل حول الاستعدادات لضرب منشآت إيران النووية، وهي دعاية كاذبة الغرض من إثارتها، كما ذكرنا في مناسبات سابقة، صرف الأنظار عن القضية الفلسطينية وشغل الرأي العام العالمي بموضوع بالغ التعقيد. ومن حسن حظ صقور إسرائيل ودعاة طرد الفلسطينيين من أرضهم، أن الشعب الفلسطيني بأكمله، بكل أسف، يغط في سبات عميق وليس لديه قيادة فعالة، أو بمعنى أدق ''الطاسة ضايعة''. فاليهود لن يجدوا أفضل زمناً ولا أكثر ملائمة لبث مثل هذه الشائعات التي ينقلها الإعلام الرخيص المضلل لصالح الحركة الصهيونية. أما الحكماء فهم يدركون مدى ضحالة تفكير كل منْ يُصدق بهذه الخرافة. فهل حقاًّ يضير الحكومة الإسرائيلية كون السلطات الإيرانية تمتلك أو لا تمتلك قنبلة نووية، وهي التي تختزن مئات القنابل الذرية؟ ولو افترضنا سوء النية عند الإيرانيين وعزمهم على بناء قوة نووية، فهل يُصدق عاقل أن ضرب إسرائيل بسلاح نووي على رأس أولويات إيران؟ وهل الأراضي التي تقطنها وتحتل جزءاً كبيراً منها القطعان اليهودية في فلسطين المحتلة لا يسكنها إلا اليهود؟ فأغلب سكان المناطق المحتلة في أرض فلسطين هم من أهلها الفلسطينيين. وهل نتوقع من الإيرانيين الإحساس بالعطف على العرب، المسلمين وغير المسلمين، إلى درجة أنهم يُخاطرون بمستقبل الشعب الإيراني من أجلهم ويقصفون الدولة الصهيونية بقنابل نووية؟ ولو فعلوا، وهو أمر لا يخطر على بال بشر، لدمروا الأخضر واليابس في فلسطين وما جاورها. أما عن النتائج والكوارث التي سوف يسببها استخدام السلاح الذري من أي من الطرفين في منطقة الشرق الأوسط فسوف نتحدث عنه في مكان آخر من هذا المقال.
ولا نشك على الإطلاق في أن نتنياهو، الذي وصفه ساركوزي بما يستحق، وزمرته يعلمون علم اليقين استحالة اتخاذ أي قرارات مصيرية تقود إلى ضرب الأراضي الإيرانية، هكذا وبدون حصول أسباب جوهرية تدعو إلى الولوج في مثل هذه الحماقة. ولكنهم على الأرجح وجدوا منْ يُصدق أن هذه الشرذمة المتغطرسة في إسرائيل تستطيع أن تفعل ما تشاء، حتى ولو كان ذلك ربما يؤدي إلى مسح دولتهم من الوجود. ولا نعلم أين الفخر في ذلك! وبصراحة تامَّة، يجب أن تكون دولة إسرائيل آخر منْ يتحدث عن أي جهة تتبنى التفكير في بناء قوة نووية في المنطقة، وهي التي تعتبر نفسها فوق القانون وخارج نطاق المحاسبة في السباق النووي. أما حليفة إسرائيل وحاميتها، الولايات المتحدة، وهي القادرة على مهاجمة القواعد العسكرية الإيرانية، فقد بدأت تتغير سياستها العدوانية التي كان قد انتهجها الرئيس السابق، سيئ الذكر، جورج بوش، الذي لن ينسي التاريخ جرائمه وعدوانيته في العراق وأفغانستان. وليس من سبيل المبالغة إذا قلنا إنه أسوأ رئيس مر على الولايات المتحدة في تاريخها الحديث. ويظهر أن السياسة الأمريكية الخارجية بعد عهد بوش المشؤوم أصبحت تميل إلى المهادنة والتفاوض الذي عادة يقود إلى تهدئة الأمور بدلاً من تأزمها. كما أننا نستبعد أن يستطيع نتنياهو، بما لإسرائيل من تأييد شبه مطلق في مجلس النواب والكونجرس، جر أمريكا إلى مغامرة غير محمودة العواقب، على الرغم من مشاهدة العالم أجمع منذ عدة شهور مبلغ النفاق الذي مارسه ممثلو الشعب الأمريكي في المجالس النيابية عند ما كانوا يقفزون من مقاعدهم كالأرانب أكثر من 29 مرة أثناء إلقاء نتنياهو خطابه الرسمي خلال زيارته الأخيرة لأمريكا. وبالمناسبة، فقد كان الخطاب أكثر من عادي، وثلاثة أرباعه كان عن مجاملات لا معنى ولا ضرورة لها. ولا يحدث أن يقوم النواب بهذا الكم من النهوض من المقاعد عند ما يلقي رئيس الحكومة الأمريكية نفسه خطاباً مهماً إلا ربما مرة واحدة خلال ولايته. ويكاد يظن المرء أن نتنياهو هو الحاكم الحقيقي لأمريكا ويستطيع تسيير الجيوش الأمريكية حيثما أراد. ولكنه أيضا يعلم أن الشعب الإيراني أقرب إلى كونه صديقا لليهود عامة من كونه عدوا لهم، كما تُحاول أن تُصوره بعض وسائل الإعلام.
ولو أن ما يُذاع ويُنشر عن نية دولة إسرائيل التخطيط لضرب المنشآت الإيرانية كان له نصيب ولو يسير من الصحة لرأيت دول العالم الرئيسة تقف في وجهها وتمنعها من أي تصرف في هذا الاتجاه العدواني، ليس حبًّا في إيران، ولكن تفادياً لحدوث انقطاع لإمدادات الطاقة في منطقة الخليج العربي. فلو فرضنا جدلاً أن إيران تعرضت لهجوم عسكري غير مُبرَّر فإنها سوف لا محالة تُحاول إغلاق ممر مضيق هرمز البحري في وجه ناقلات النفط. ومثل هذا الإجراء سيقفز بأسعار برميل النفط من مستواه الحالي إلى الضِّعف على أقل تقدير. وسيصاب الاقتصاد العالمي، نتيجة لذلك، بنكسة رهيبة يستحيل التعافي منها. فهل نتوقع أن يقف المجتمع الدولي متفرجاً ولا يُحرك ساكناً وهو يرى اقتصاده في طريقه للتدمير استجابة لرغبة حفنة من الصهاينة والمتصهينين؟ ولو أنه كانت هناك فعلاً نية مهما كانت ضئيلة للدخول في مغامرة مع الدولة الإيرانية التي تستطيع أن تنتقم من المجتمع الذي سمح لإسرائيل بارتكاب أخطاء استراتيجية، يطال ضررها ليس فقط إيران، بل الاقتصاد العالمي بأكمله، لتغير وجه القضية التي تُطبل لها الدولة اليهودية.