ظلام أوروبا في منتصف النهار

لعل من الصعب أن نتصور أن الأزمة في أوروبا قد تزداد سوءا، ولكن هذا هو ما حدث للتو. فقد فشل زعماء الاتحاد الأوروبي في القمة التي جمعتهم قبل أسبوعين في الاتفاق على أي شيء حقيقي. وأبدت الصين والبرازيل عزوفاً واضحاً عن التقدم للإنقاذ من خلال توفير كميات ضخمة من النقد الأجنبي. ولم تنجح قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي استضافتها مدينة كان في التوصل إلى أي اتفاق على الخطوات التي ربما تساعد في حل الأزمة.
والآن انهارت الحكومة اليونانية. وربما كان السبب المباشر وراء انهيارها القرار غير الحكيم الذي اتخذه رئيس الوزراء المستقيل جورج باباندريو بالدعوة إلى إجراء استفتاء على خطة الإنقاذ التي اقترحها الاتحاد الأوروبي (التي تقضي بفرض المزيد من تدابير التقشف الصارمة)؛ ولكن المشكلة الأساسية تتلخص في الركود المؤلم الذي جعل من سقوط الحكومة أمراً لا مفر منه.
ولا يعني تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة أن المشكلة اليونانية أصبحت وراء ظهر أوروبا أو العالم. بل إن الأمر على العكس من ذلك، فمن الواضح أن موقف الحكومة الجديدة لن يكون أكثر سلامة من موقف سابقتها. وإلى أن يعود الأمل، ولو كان بعيدا، في قدرة اليونان على العودة إلى النمو من جديد، فإن المشكلة لن تُحَل.
والأمر الأسوأ من ذلك بالنسبة للاستقرار المالي هو أن إعلان باباندريو عن الاستفتاء كان سبباً في حض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على كسر محظور بالغ الأهمية. فسابقا، كان زعماء أوروبا يجزمون بأن اليورو باق إلى الأبد، ويؤكدون في كل مناسبة اعتزامهم القيام بكل ما هو ممكن للحفاظ على تماسك الاتحاد النقدي. ولكن في الأسبوع الماضي، وفي تحول خطير، أبلغ ساركوزي وميركل اليونانيين بصراحة أن القرار يرجع إليهم فيما يتصل برغبتهم في التمسك باليورو.
والخطر الأعظم هنا هو أن تضطر البرتغال وإيطاليا إلى السير على خطى اليونان. وكل من يشكك في هذا فما عليه إلا أن يتذكر ما حدث في عام 1992، عندما انهار النظام النقدي الأوروبي.
وعلى وجه التحديد، يتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يبذل المزيد من الجهد لدعم النمو الاقتصادي. والواقع أن القرار الذي اتخذه البنك بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساسية في أول اجتماع سياسي تحت قيادة رئيسه الجديد ماريو دراجي يُعَد بمثابة بصيص الضوء الوحيد في سماء مظلمة. ولكن النقاط الـ 25 الأساسية ليست ذات تأثير يُذكَر. فمع اتجاه أوروبا نحو الركود، يصبح خطر ارتفاع التضخم صفرا. ولكن رغم ذلك، وفي ضوء الحساسيات الألمانية، يتعين على ميركل أن تستخدم نفوذها السياسي لإعادة الطمأنينة إلى عامة الناس.
والأمر الأكثر إثارة للجدال هو أن البنك المركزي الأوروبي يحتاج إلى زيادة مشترياته من السندات الإيطالية. وما لم تهبط العائدات على هذه السندات إلى المستويات الألمانية، فلن تصل حسابات الديون الإيطالية إلى نتيجة مرضية. ولكن دراجي أشار إلى عدم رغبته في رؤية البنك المركزي الأوروبي وقد تحول إلى كيان لإقراض الحكومات. كما أشار إلى أن إعادة الطمأنينة إلى الأسواق من خلال تبني إصلاحات بنيوية ربما كان من صميم مسؤوليات تلك الحكومات وليس البنك المركزي.
ومن ناحية أخرى، يتعين على إيطاليا التي أصبحت الآن تحت مراقبة صندوق النقد الدولي أن تمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات الداعمة للنمو من أجل طمأنة المساهمين في البنك المركزي الأوروبي إلى أن مشتريات البنك المركزي من السندات ليست خسارة في نهاية المطاف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي