دروس في الحوكمة: تطبيقات للإصلاح
يؤكد المتخصصون في حوكمة الشركات أنها جاءت بممارسات وحلول تتناسب مع أوجه القصور التي شابت طريقة إدارة وتشغيل شركات القطاع الخاص. وحيث إن هذه المبادئ والوسائل يمكن استنساخها وتطبيقها في البيئات المختلفة وفي مختلف القطاعات، فقد برز الفكر الإصلاحي لحوكمة الشركات في قطاعات مختلفة، خاصة في القطاعات ذات العلاقة المباشرة مع فئات مختلفة من المستفيدين، ومنها قطاعات التعليم، والصحة والمؤسسات الخدمية الأخرى.
حوكمة الشركات كتخصص اقتصادي يركز على الإدارة الاستراتيجية للشركات بهدف تطوير وتحسين الأداء المالي لها وضمان فاعلية استغلال الموارد لتحقيق الأهداف المرسومة لمختلف الفئات المستفيدة. ونتيجة للأحداث المالية والاقتصادية التي يواجهها العالم في العقود الماضية فقد برزت دراسة حوكمة الشركات كواحدة من أكثر المجالات المالية والاقتصادية. ولأن القطاعات الاقتصادية جزء من البيئة الإدارية الشاملة، فمكاسب الحوكمة يمكن أن تطبق وتمارس في مختلف البيئات على أن تحور لتتناسب مع هذه البيئات. في هذا المقال سيكون الحديث عن أبرز عوامل النجاح التي طورتها دراسات الحوكمة والتي يمكن أن يتم الاستفادة منها في تطوير القطاعات العامة والخدمية، إضافة إلى القطاعات الخاصة.
الاستقلال والفصل بين الوظائف
من أهم ما ركزت عليه حوكمة الشركات موضوع الفصل بين الوظائف وضمان الاستقلال لكل مهمة عن الأخرى، نتج من ذلك الفصل بين وظيفتي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، والتي كانت تدار سابقا من خلال شخص واحد. هذا الفصل جاء لضمان رعاية الاستقلالية بين الوظائف لدحر ما يعرف بتضارب المصالح بين الملاك والإدارة. ممارسة الاستقلال هذه دعمت وجود مستقلين في مجالس الإدارة لضمان وجود رقابة فعالة ومستقلة. الفصل بين الإدارتين العليا في الشركة جاء في مصلحة منح وظيفتي التخطيط الاستراتيجي والإدارة اليومية الإمكانات اللازمة لكل منهما لتقوم بعملها. ما تعانيه القطاعات الحكومية هو غياب الفصل بين وظيفتي التخطيط والإدارة اليومية، إضافة إلى تداخل السلطات، فالمسؤول لا يكاد اسمه يغيب عن أي لجنة من اللجان العاملة، فيصبح المخطط والمنفذ والمقيم لنتائج العمل، وهذا يفتح مجالا واسعا لتغطية القصور في أي مرحلة من المراحل المختلفة.
مصداقية الأنظمة والإجراءات المتبعة
تؤكد حوكمة الشركات على أهمية وجود أنظمة مكتوبة لمختلف المهام التي تواجه المنظمة. أنظمة في إدارة الموارد البشرية، أنظمة في الرقابة المالية، أنظمة في سير العمل. هذه الأنظمة يجب أن تكون معلنة للجميع وقابلة للتطوير والتفاعل مع معطيات العمل. يجب ألا تتأثر المنظمات بوجود أو غياب الأفراد المؤثرين بها، وهذا ما يطلق عليه مأسسة العمل أو ''العمل المؤسسي''. غالبا ما تعاني القطاعات الرسمية من عملية تغييب لهذا المفهوم، فتتأثر القطاعات بمن هم على هرم إدارتها. وقد تكون من أعظم أسباب عدم التطور اختلاف السياسات والممارسات باختلاف الأشخاص القائمين بها.
استخدام مؤشرات قياس الأداء
تعطي حوكمة الشركات أهمية بالغة لموضوع قياس الأداء، واستخدام مؤشرات القياس المالية وغير المالية والتي يكون لها دور في كشف الخلل والانحراف أثناء سير العمل، ويساعد في تطوير ومعالجة أوجه القصور في حينها. تستخدم هذه المؤشرات لقياس الأداء في مختلف مراحل العمل، ولا تقتصر على قياس النتائج النهائية بما خطط لها. وهذا من أهم أوجه القصور التي يمكن توجيه الاهتمام لها في القطاعات العامة، وهو قياس الأداء في مراحل مختلفة والعمل على معالجة الانحرافات الناتجة وتنبؤ المخاطر المستقبلية التي قد تبرز بعد البدء في عملية التنفيذ. ومن المعروف أن القطاعات الحكومية تهتم بالقياس المالي التاريخي، وهذا غالبا لا يساعد في اكتشاف ومعالجة أوجه القصور التي تواجه مراحل العمل.
الشفافية
الشفافية في حوكمة الشركات تعني توفير أكبر قدر من الحماية عن سوء استغلال السلطات والمسؤوليات، وأداة مهمة في محاسبة المقصرين. وجود نظام يتسم بالشفافية تعد حماية مهمة لمصالح المستفيدين كافة. تتعاطى الشفافية مع متطلبات ذات علاقة بالتخطيط والتعيين وممارسة العمل ومنح المكافآت والمحاسبة والمساءلة عن أوجه القصور والخلل، وهذه أمور تعد محفزا ورادعا لكل من يتقاطع مع مهام ووظائف المنظمات. فوجود نظام يضمن الشفافية في ممارسة أعمال القطاع العام يجب أن يمنح أهمية قصوى.
مما سبق يتضح لنا بعض من وظائف وممارسات حوكمة الشركات والتي أعطيت قدرا هائلا من الدراسة والبحث بين البيئتين الأكاديمية والتطبيقية، والتي يمكن أن يستفاد منها في تطوير وتفعيل قطاعات مختلفة من القطاعات الخدمية والعامة ذات الارتباط المباشر بمصالح واهتمامات شريحة كبيرة من المستفيدين المحيطين بهذه المؤسسات. من أهمها القطاعات التعليمية والصحية والحكومية التي تهدف إلى مراعاة احتياجات ومصالح المواطنين والمقيمين، وقبل هذا مراعاة المصلحة العامة للوطن.