رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عندما يعتبر المستشفى مصنعا ستتحسن الكفاءة الإنتاجية

منذ أكثر من عقد من الزمان والمفكرون يتحاورون في التشابه بين المرفق الصحي المقدم للخدمات الصحية والمصنع المنتج لخطوط إنتاج مختلفة أو متشابهة. التحاور الفكري أساسه أولا: تقريب الفكر الصناعي لأذهان الممارسين الصحيين؛ حتى يتبنوا فكرة الجودة لإتقان ما يقومون به يوميا من استقبال للمريض والكشف عليه وتنويمه أو علاجه حسب حاجته إلى ذلك، ثم إخراجه من المستشفى سليما معافى مزاولا عمله أو دراسته أو خلافه. السبب الثاني للمقاربة هو ضبط المصروفات والاستفادة من الميزانية لتقديم أفضل الخدمات الصحية للمريض وخروجه متمتعا بالصحة الكاملة مع محافظة المستشفى على توازن مصروفاتها للاستمرار في تقديم الخدمات على أعلى مستوى. لم تجد الفكرة صدى واسعا ليكون التقارب مدعاة لتطبيق المعادلات الرياضية في حساب المدخلات والمخرجات والعمليات التي تتم بينهما. في هذا المقال نقلت فكرة إدارة المصنع المنتج لإدارة المستشفى أكثر منها لمركز الرعاية الصحية الأولية لتعقيد عمليات الأولى إذا ما احتاج المريض إلى عمليات عدة كالفحص وإجراء الجراحة والعلاج الطبيعي والتغذية السريرية... إلخ.
في المصنع يهتم المدير بإنتاجية العاملين أينما كانوا وجودة الأداء وسلامة المعدات والأجهزة وحسن إدارة رأس المال أو الميزانية؛ لئلا يؤثر ذلك في سعر المنتج أو كميته في السوق. إدارة المصنع تعنى بأن يكون هناك هيكلة الهرم المسطح تقريبا فلا تتعدد مستويات الإدارة عموديا؛ تفاديا لزيادة مشاكل النظام ومحاولة في خلق بيئة إبداعية مبتكرة بين فئات العاملين كلهم. في المصنع أيضا يتعامل المسؤول أو المدير بمرونة، حيث يتواجد بنفسه في كل مكان ويتابع أحوال العمل بنفسه ليشعر الجميع بأن الجميع يتحمل مسؤولية النجاح والإخفاق. في الوقت نفسه يكون صارما أمام تنفيذ الإجراءات الضامنة لاستمرار العمل وحفظ حقوق الجميع وضمان تشغيل المصنع بآلية سمتها الاستقرار والاستدامة لاستثمار مهم.
في المستشفى يحرص المدير على أن يكون جميع العاملين مؤدين لأدوارهم من دون تسبب في خلل؛ لأن المتأثر الوحيد هو المريض الذي دخل هذا التنظيم راغبا في أن يخرج في هيئة تمكنه من الانخراط في معترك الحياة قادرا على التعايش مع المتغيرات. فئات الموارد البشرية هنا أيضا تتعدد لاختلاف المهام الوظيفية في كل مرحلة من تقديم الخدمة، حيث هي كمدخلات مع الموارد المالية المتمثلة في التكاليف والمباني والتجهيزات والأسرة ستقوم بعمليات عدة حسب احتياج الفرد (المريض)، فإما متوجها للعيادات أو مدخلا للتنويم، ومن ثم القيام بالفحوص المخبرية والإشعاعية وصرف العلاج له مع الملاحظة أو الإخراج على أمل أن يستمر على تناوله فيكمل دورته العلاجية خارج المستشفى.
الآن، لو تحكمنا في كم ونوع المدخلات وحجم الميزانية؛ فإن من الطبيعي أن يحقق المستشفى أفضل إنتاجية وأعلى كفاءة، وينجح بذلك الطاقم الصحي بكافة فئاته في تقديم أفضل الخدمات، إذا ما كان تدفق الأعداد (المرضى) حسب الطاقة الممكن خدمتها لكل فئة من المستشفيات. في المصنع لأن التعامل مع مواد خام يصنع منها منتج له خواص يطلبها المستفيد بشكل معين فلدينا القدرة على زيادة الطاقة الاستيعابية بآليات عدة مع القدرة على تحجيم التكاليف والحفاظ على النوعية. ولكن إذا ما كان الطلب فوق العادة وعدد العاملين دون المطلوب ومحدودية قدرات التجهيزات والمعدات فإن النتيجة ستكون كما يحصل للمستشفى أن نبدأ في رؤية خلل هنا وتوقف عملية هناك. هذا ما يجعل التقارب بين المنشأتين سبيلا للبدء في تقييم وضع المستشفى وتحسين خدماته بناءً على ما نعرفه عن المصنع وتشغيله ومخرجاته.
بتطبيق برامج الجودة والشروع في اتخاذ إجراءات كحلول للمعوقات والمصاعب التي تمر بإدارة المستشفى يمكننا أن نحافظ على توازن الأداء تماما كما يتم في المصنع، ولكن لا بد من أن يساند المسؤول في المنطقة إداريي المستشفى على أداء مهامهم بالشكل الصحيح الذي يرضى عنه ويكون قريبا منهم دائما. لا شك أن تقديم الخدمات الصحية مسألة إنسانية تتخللها قرارات عاطفية تحتم على الهيكل الإداري والفني تحملها كافة. ولكن لا بد أن نعي بأن لكل قرار ثمنا يمكن أن يكون مقبولا ويمكن أن يكون باهظا وتتأثر به نقاط عدة ومواقع مختلفة في النظام. هنا تكون كتابة التقارير السنوية عبارة عن نقل لواقع حال لا أرقام تجعل العامل أو الممارس يتهكم مما يُكتب ويتذمر من عمل لا يقدر له انجازه. فالعامل في المصنع يعرف كم أنتج اليوم؛ لأنه يراقب ويفحص وينتقي ويفرز... إلخ. هكذا أيضا الممارس الصحي والإداري في المستشفى، ولذلك لا بد أن تنقل التقارير ما يعده الممارسون ويخرج من بين أيديهم. أما طريقة العرض فقد يكون للإدارة المعنية التقديم والتأخير وتسليط الضوء على المؤشرات التي يرونها أهم، وهذا موضوع آخر يمكن مناقشته في مقال آخر، وبالتالي يمكن قبوله على مضض.
أعتقد أن بعودة المؤهلين في الإدارة الصحية والإدارة العامة من الخارج وهم يحملون درجات علمية عالية ومناسبة لقيادة المرافق الصحية سيعينون الممارسين الصحيين من خريجي جامعاتنا داخليا على أداء المهام بسلاسة وسهولة في برامج الجودة. كما سيجعل وضع المستشفيات أفضل خدميا إذا ما قيم رياضيا، وصحيا واقتصاديا، حيث إننا ما زلنا في حاجة إلى منظور متجدد لتقديم الخدمة بشكل أفضل. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي