رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الجامعة العربية .. العلة البنيوية

في مقابلة مع نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية على إحدى القنوات الفضائية، قال إن الجامعة العربية عجزت عن حل المشاكل العربية. والأمين العام في هذه العبارة يقرر حقيقة يتفق عليها الجميع، إذ إن الجامعة منذ تأسيسها تعاني وضعا مأساويا يتمثل في فشلها، وعدم قدرتها على حلحلة المشاكل التي توجد بين الدول العربية سواء على الحدود، أو داخل الدول، أو في السياسات مع أطراف خارج العالم العربي، كما هو الحال مع الكيان الصهيوني.
سبق أن كتبت عدة مقالات عن الجامعة العربية، وعن القيم العربية وما يعتريها من مشكلات وصعوبات ليس أقلها تحديد زمان المؤتمر والموضوع الذي سيناقش، ومقر الجامعة، والأمين العام وجنسيته، وما إلى ذلك من المشكلات التي لا حصر لها. في محاولة تشخيص أسباب العلل التي تعانيها الجامعة العربية لا بد من البحث عن إن كان السبب بنيوياً يعود إلى نظام وإجراءات الجامعة بدءاً من الدعوة للاجتماع وأسلوبها ومروراً بتحديد جدول الأعمال، ومن ثم آلية اتخاذ القرار.. هل يمكن اتخاذ قرار بالإجماع من قبل دول مختلفة الأنظمة، ومختلفة في التوجهات، ومختلفة في التحالفات الإقليمية والدولية، ومختلفة في المصالح؟! بالطبع لا يمكن ذلك في وضع كهذا، ولذا لا بد من إعادة النظر في كافة المكونات البنيوية للجامعة، لأن ترك الوضع على ما هو عليه يفاقم الوضع ويزيد الطين بلة.
مع بداية الأحداث في سورية أرادت الجامعة العربية التدخل بهدف حقن الدماء، والمحافظة على تماسك المجتمع السوري ومكتسباته، لكن النظام السوري رفض هذا الشيء معتبراً ذلك تدخلاً في شأن داخلي، في حين أن النظام السوري قبل تدخل الجامعة في الشأن اللبناني، الذي أعطاه فرصة دخول لبنان في أعقاب الحرب اللبنانية في السبعينيات من القرن الماضي. مثل هذا التناقض لا شك أنه يثبت وجود خلل بنيوي في الجامعة يُمكن دولة عضواً مؤسساً فيها أن تقبل قرارا في موقف وترفض مبدأ التدخل بهدف المساعدة على حل المشكلة.
هل للأمين العام بغض النظر عن جنسيته، وعمره، وخبراته، وانتماءاته السياسية، وتوجهاته الفكرية، وشخصيته دور في نجاح الجامعة أو فشلها؟ أعتقد أن له دور في ذلك، حيث نلاحظ التردد والتناقض في المواقف يحدث من قبل الأمين العام، وما تعامل الجامعة مع الأزمة السورية المتسم بالتردد إلا مثال على ذلك، إذ لا يعقل إعطاء المهلات والفرص لنظام قرر مواجهة شعبه بأعتى الأسلحة التي لم يوجه قطعة واحدة منها نحو العدو الصهيوني الذي يدعي ممانعته والوقوف في وجهه.
إذا ما أريد للجامعة أن تنجح في خدمة الأمة العربية لا بد من إعادة النظر في نظامها الأساسي، وفي إجراءاته، وفي آلية اختيار أمينها العام بدلاً من سياسة الإرضاء لهذا الطرف أو ذلك.
من الأمور التي استرعت انتباهي في أثناء الثورة السورية انضمام فئة طلاب التعليم العام ممثلين في طلاب المراحل: الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إضافة إلى طلاب الجامعات الذين عُرف عنهم في العادة قيادة التحركات الاجتماعية المطالبة بالتغيير في كثير من دول العالم. خرج الطلاب بملابسهم المدرسية، ومن المدارس حاملين حقائبهم على ظهورهم ومشاركين في التعبير عن رفض الشعب السوري لنظام طالما أذاقه الأمرّين خلال ما يزيد على 40 عاماً.
خرج الطلاب إلى الشوارع تاركين المدارس وراء ظهورهم ومرددين ''لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس''، بل في حشود أخرى كانوا يرددون ''لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الخسيس''. مع هذه المظاهر لهؤلاء الأطفال والشباب وهم يجوبون الشوارع توقفت وتساءلت: ما الذي دعا هؤلاء إلى الخروج.. قد يقول قائل إنهم خرجوا بتحريض من أهلهم وذويهم لكن هذا قد يحدث من فئة أو عدد قليل، أما أن تخرج المدارس بكاملها فهذا أمر لا يمكن إعادته إلى التحريض. أعتقد وبلا أدنى شك أن الأطفال خرجوا معبرين عن مشاعر حقيقية واتجاهات سلبية نحو النظام أرادوا أن يعبروا عنها من خلال ترك المدارس التي تمثل أحد أعمدة النظام التي استغلها خلال العقود الماضية لإعادة تشكيل الأنفس والعقول بالشكل الذي يخدم النظام الفئوي. النظام كان يلقن الأطفال من خلال مناهجه الدراسية مفاهيم البعث، وبالمدارس تتشكل لبنات ما يسمى بشبيبة البعث التي يعد من خلالها الناشئة حزبياً بالأفكار والاتجاهات، والمشاعر، إضافة إلى العمل التنظيمي.
يتساءل من يشاهد هذه الحشود من الطلاب: كيف يشعر رئيس الدولة وهو يرى الأطفال إضافة إلى الكبار يرفضون بقاءه واستمرار نظامه، وهو من قال إذا ثبت لي عدم رغبة الشعب السوري لي سأستقيل.. هل يريد دليلاً أقوى مما يحدث في الشارع؟! أطفال يتحركون في الشوارع ويرددون عبارات الرفض للنظام وفوق هذا يدوسون على صورة الرئيس بالأحذية، ومع هذا يصر الرئيس على البقاء متحدياً مشاعر وإرادة الشعب السوري بكافة أطيافه وفئاته العربية.
الأطفال الذين خرجوا لم يخرجوا لأن من أهلهم من قتل ولكن زملاءهم في الدراسة تعرضوا للقتل والتعذيب، وما الطفل الخطيب، وما أطفال درعا الذين عذبوا وقلعت أظفارهم إلا أمثلة قليلة على سياسة البطش التي ينتهجها النظام.
إن الأطفال الذين عاصروا هذه المرحلة وشاركوا في أحداثها من خلال مسيرات سلمية قوبلت بالقوة لن يبقى في عقولهم ومشاعرهم سوى الكراهية لنظام، ورئيس لا يعرف سوى لغة القتل والتدمير، فهذه شواهد حسية يرونها في المدارس، والبيوت، والمحال التجارية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي