اليونان.. القشة تقصم ظهر البعير
لم يكن أحد أسوأ حظا من الفرنسيين الأسبوع الماضي، الذين كانوا يعدون العدة للخروج بقرارات مهمة في قمة قادة دول مجموعة العشرين. فقد فاجأ الرئيس اليوناني جورج باباندريو الجميع بإعلان الاستفتاء على حزمة الدعم والإصلاحات لليونان التي اتفق عليها القادة الأوروبيون في اجتماعهم الأخير الذي عقد في 26 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. القرار الذي اتخذه الرئيس باباندريو جاء مفاجئاً للجميع، بمن في ذلك أعضاء حكومته، بمن فيهم وزير المالية نفسه، الذين لم يعلموا شيئاً عن هذا القرار. هذا أدى بالطبع إلى اعتراضات شديدة من قبل أعضاء البرلمان، وأعضاء الحكومة الحالية، وكذلك من قبل القادة الأوروبيون، الذين ستزداد الضغوط عليهم ـــ كما أشرت في مقال الأسبوع الماضي ـــ وسيجدون أنفسهم في عين العاصفة. فالقمة التي يفترض أن تكون موجهة من أوروبا لإصلاح الوضع الاقتصادي العالمي، ستكون موجهة من العالم إلى أوروبا، وذلك في عقر دارها، لكي تهتم بلملمة أوضاعها الاقتصادية المتأزمة.
باباندريو رأى أنه من الصعب تمرير ما اتفق عليه مع الأوروبيون في البرلمان، فلجأ إلى إحراج البرلمان، بالدعوة إلى استفتاء شعبي حول حزمة الدعم الأوروبية والإصلاحات المترافقة معها. لكنه قد يكون قد أخطأ في حساباته، وقد يؤدي ذلك إلى خسارته ثقة البرلمان، وانهيار الحكومة، والدعوة إلى انتخابات جديدة. هذا قد يعني اتجاه اليونان إلى إعلان إفلاس غير مرتب، مما قد يؤدي إلى سلسلة من الإفلاسات في القطاع المصرفي اليوناني، وفي منطقة اليورو أيضاً. وهذا يأتي في وقت لم يتمكن فيه القادة الأوروبيون بعد من وضع جدار حماية كاف للمصارف الأوروبية الأخرى، خصوصاً في إيطاليا وإسبانيا، المرشحتين التاليتين للحاق بركب الاقتصادات الأوروبية الهشة، كإيرلندا والبرتغال. أيضاً كما أشرت في مقال الأسبوع الماضي، هذا يأتي في وقت غير مناسب على الإطلاق بالنسبة للولايات المتحدة، التي تواجه حرباً ضروسا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مما سيعني إحراجاً أكبر للرئيس الأمريكي الحالي في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
اليونان التي تعد الاقتصاد الـ 32 في العالم، قد تكون هي القشة التي ستقصم ظهر البعير. فهذا الاقتصاد الذي يمثل جزءاً بسيطاً من حجم الاقتصاد العالمي، أصبح حديث الساعة، لما ينطوي عليه من خطر محدق للاقتصادات الأخرى. العولمة والروابط المالية بين الاقتصادات المختلفة في العالم، جعلت الكل يهتم بوضع هذه الدولة، مخافة أن يؤدي انهيار اقتصادها إلى سلسلة من الانهيارات المتتابعة في أوروبا. الحديث عن خروج اليونان من منطقة اليورو أصبح أكثر صراحة بعد قرار الرئيس اليوناني باباندريو، حيث بدأ القادة الأوروبيون في التصريح علانية بأنه لا مناص لليونان من الاستمرار في منطقة اليورو إلا بالالتزام بما تم الاتفاق عليه. الرئيس ساركوزي صرح بأنه (على أصدقائنا اليونانيين اتخاذ قرار حول ما إذا كانوا يريدون إكمال الرحلة معنا)، كما أنه أكد والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن اليونان لن تتسلم سنتاً واحداً من الدفعة القادمة من برنامجها الاقتصادي التي تبلغ ثمانية مليارات يورو، إلى أن تتم الموافقة على ما اتفق عليه مع الأوروبيين.
هل تستمر اليونان في منطقة اليورو أم لا؟ وهل يؤدي ذلك إلى حل منطقة اليورو؟ وما تأثيرات ذلك في الاقتصادات العالمية الكبرى؟ كل ذلك مرهون بأن يصوت اليونانيون بالموافقة على حزمة الدعم الأوروبي والإصلاحات المرافقة لها. وفي لحظة غير متوقعة، أصبحت أوروبا والاقتصاد العالمي بأسره (البعير) في رحمة اليونان (القشة)، وأسيرة أن يصوت اليونانيون بنعم أو لا على الالتزام بالبرنامج الاقتصادي التقشفي.