السبب الرئيس للحج دون تصريح
تطرقت في مقالات عدة قبل عدة سنوات لبعض معاناة الأجهزة الرسمية التي تشرف على إدارة وتفويج الحجيج، كما تكلم الكثير من أصحاب الخبرة والمعرفة بأمور الحج، وقدموا توصيات جديرة بالتنفيذ، إلا أن الأمور بقيت على حالها. فها هي الجهات الرسمية تعيد على أذهاننا قبيل بداية الحج أهمية الحصول على تصريح، كما أن بعض العلماء قد أفتوا بأن من يحج دون تصريح قد يفسد حجه. وهناك في الطرف الآخر نرى الحجاج لا يأبهون بكل هذه الحملات التوعوية ولا بفتاوى العلماء الشرعية، فمنهم من يرى أن الحصول على تصريح لأداء الحج لا مكان له من الشرع. وبناء على ذلك فإنني أراها فرصة مناسبة أن أعيد ما طرحته من قبل، وما هي سوى خلاصة أفكار ومقترحات أهل الخبرة حتى يقف المسؤولون على الأسباب الحقيقية وراء تعمد البعض الحج دون تصريح.
يمكن تقسيم الحجاج الذين يتسللون إلى المشاعر ويتعمدون الحج دون تصريح إلى فئتين: فئة اعتادت الحج كل عام بسبب سهولة الوصول إلى الأماكن المقدسة ولقناعات أخرى لا يتسع المكان لذكرها، حتى أصبح الحج عادة سنوية يبذلون من أجلها كل الوسائل النظامية وغير النظامية، بل إن البعض ينظر إليها على أنها مغامرة ينتظرها بكل شوق. أما الفئة الأخرى فترى أن تكاليف حملات الحج مبالغ فيها في الوقت الذي يتمكن فيه بعض المواطنين والمقيمين من أداء النسك مجانًا. وبناء على ذلك فإن السيطرة على منافذ المشاعر من تسلل الحجيج أمرٌ في غاية الصعوبة لأسباب عدة قد ذكرتها من قبل وهأنذا أعيدها وهي:
1. عدم إدراك بعض المواطنين بما تمثله الأعداد الهائلة من صعوبة تواجه الجهات الرسمية عند تفويج الحجيج وإدارة الجموع.
2. عندما يقترب الموسم فإن رجال الأمن لن يولوا مهمة التصاريح أهمية تذكر؛ لأنه سيظهر بين أيديهم ما هو أهم وأعظم من فحص تصاريح الحجاج، كما أن هذه الشريحة مأمونة الجانب ولا تمثل مصدر قلق، وبذا سيركزون جهودهم على ما هو أهم، مثل مراقبة شواذ الحجاج الذين يستغلون المكان والزمان لأهداف مبطنة خارجة عن نطاق الحج.
3. عدم قناعة البعض بهذا الأمر، ويرون أنه من حقهم الحج دون تصريح بسبب قرب المكان، وسهولة الوصول إليه، والمبالغة في أسعار الحملات.
وحتى نتغلب على هذه الظاهرة ونضع المواطن والمقيم في صف الجهات المعنية بتنظيم الحج أرى مراعاة البنود التالية:
1. مراقبة أسعار حملات الحج حتى تكون في متناول السواد الأعظم من الناس، فليس من المعقول أن يدفع الحاج خمسة آلاف ريال في المتوسط لمدة ثلاثة أيام لا يوفر له سوى إقامة في خيمة على شكل معسكر وثلاث وجبات رخيصة القيمة والمنفعة. وها نحن نرى ارتفاع أسعار الحملات سنويًا، ولو استمر هذا التضخم دون ضابط فقد يتحول موسم الحج إلى تجارة رابحة يسيل لها لعاب الراغبين في تعظيم الثروة.
2. بعض حجاج الداخل يتيسر لهم الحج مجانًا ولعدة مرات، والبعض الآخر يتكبدون أموالاً طائلة في سبيل حجة واحدة. هناك فئة من المواطنين السعوديين ومن المقيمين يصعب عليهم تحمل تكاليف الحج عند الرغبة في أداء النسك بطريقة نظامية، وهذه الشريحة عادة تمثل الأسر السعودية والأشقاء من الوافدين أصحاب الدخول المتدنية إلى المتوسطة. فلكي تحصل العائلة على تصريح بالحج يتعين عليها التسجيل في حملة تقدر قيمة الخدمة للفرد الواحد بخمسة آلاف ريال في المتوسط، وبذا تكون تكلفة حج أسرة مكونة من خمسة أفراد ما يقارب 30 ألف ريال، وتشمل تكاليف الحملة، تكلفة النقل، قيمة الأضحية وتكاليف المعيشة لبقية أفراد الأسرة الذين لم يحالفهم الحظ بالحج، ثمن الهدايا فليس من المنطق أن تعود من الحج دون تذكار لمناسبة تاريخية كهذه، وهنا يظهر السؤال التالي: ما الذي يمنع من تمكين هذه الفئة من الحج مجانًا أسوة بغيرهم؟
3. تفعيل دور ''معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة'' لدراسة مثل هذه الأمور، فيبدو أن المعهد لم يؤد دوره في هذا الجانب كما يجب، أو أنه يقدم الدراسات ولا يؤخذ بها لعدم القناعة بجدواها، لذا أرى تفعيل عمل المعهد لتقديم توصيات تدعم القرارات قبل اتخاذها، فزمن القرارات العشوائية لم يعد له وجود، واتخاذ قرار دون دراسة ميدانية متأنية تكون نهايته عادة الفشل، والدليل بين أيدينا، فأمر منع التدخين في المرافق العامة والإدارات الحكومية استحال تطبيقه، وإنك لترى المواطنين من مدنيين وعسكريين ينتهكونه علانية ويدخنون في المطارات، والمرافق العامة، والإدارات الحكومية.
كما نأمل الابتعاد عن إحراج العلماء ورجال الدين وعدم الزج بهم في قضية تنظيمية وإدارية ليس لهم علاقة مباشرة بذلك، فظاهرة كهذه يمكن علاجها عن طريق تغيير سلوكيات وقناعات الناس، وليس لأحكام الحج فيها باب واضح، ولا أظن أحدًا يجرؤ على الفتوى بأن الحصول على تصريح يعد ركنًا من أركان الحج أو واجبًا من واجباته، كما أن هذا الخلط قد يسبب خلافًا بين العلماء؛ لأن بعضهم يرى أن الحج سنويًا فضل يجب اغتنامه.
نسأل الله العلى القدير أن يتقبل من الحجاج نسكهم، وأن يعيدهم إلى أوطانهم وذويهم غانمين سالمين موفقين، وأن يعين القائمين على هذه الشعِيرة، ويجزيهم خير الجزاء على ما يقدمونه للإسلام والمسلمين.