رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العشر الأوائل من ذي الحجة وتعزيز المنظومة الأخلاقية ..

منذ طفولتنا وكلما اقتربت العشر الأوائل من ذي الحجة نسمع المشايخ وأئمة المساجد يرددون علينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا ولا الجهاد في سبيل الله!! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء).
وبمرور الزمن وكلما كبرنا في السن وتراكمت تجاربنا الحياتية يتفاوت فهمنا للعمل الصالح وأولوياته، وعلاقة الأعمال الصالحة بعضها ببعض، وأهمية كل عمل صالح بالنسبة للفرد ولمن هم في محيطه وللمجتمع والوطن بالمحصلة، وبالنسبة لي لم أعد أرى عملاً صالحاً يعني ممن هم في محيطي (أفراد الأسرة، الأقارب، الجيران، الزملاء من رؤساء ومرؤوسين، الأصدقاء، مستخدمي الطريق، ..إلخ.) والمجتمع والوطن سوى حسن الخلق وفق القيم والمفاهيم الأخلاقية الإسلامية، ولقد توصلت لذلك بتجارب حياتية طويلة، وما توصلت إليه ليس إلا تعزيزا لقناعتي الفكرية بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ''الدين المعاملة'' وقوله ''إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق''.
أحد الأصدقاء وهو في العقد الخامس من العمر يقول إنه استغرب تأكيد إمام المسجد على ضرورة التركيز على الإكثار من نوافل الصلاة وصيام التطوع كأعمال صالحة يجب التوجه لها لاغتنام الأجر والمثوبة في العشر الأوائل من ذي الحجة يضاف لها الأخلاق، وسبب استغرابه أنه توقع أن يحث إمام المسجد المصلين على حسن الخلق بكافة أنواعه في التعامل مع الجميع والتركيز على القيم والمفاهيم الأخلاقية الإسلامية وثوابها عند الله، وأن يدعو الإمام المصلين بالاستعانة بالعبادات الروحانية من صلاة وصيام للصبر على الالتزام بهذه الأخلاق في كل الظروف ومهما كانت أخلاق الآخر وتقوى الله وعبادته بحسن الخلق.
وأقول نعم إن ضعف القيم والمفاهيم الإسلامية الأخلاقية في نفوس الكثير من الناس في بلادنا من مواطنين ومقيمين ومن كافة المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعلمية واضحة وواضحة آثارها وليس أدل على ذلك ما نراه أثناء قيادتنا للسيارة خصوصا وقت الزحام حيث نرى العجب العجاب في عدم احترام النفس والآخرين والنظام، وما نراه من تدابر بين المصلين في المسجد الواحد حيث لا يعرف الجار اسم جاره رغم صلاتهم في نفس المسجد لسنوات طويلة، وما نراه من فساد مالي وإداري استدعى تأسيس هيئة لمكافحته، أما غياب الإتقان الذي حثنا عليه رسولنا الكريم بالعمل ''إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه'' فحدث ولا حرج، فالأصل في العمل أن تعمل بأقل جهد وطاقة وتحصل على أكبر أجر وتلك الشطارة والفهلوة والنجاح ''كن ذئبا وإلا أكلتك الذئاب'' و''إن لم تأخذ الرشوة فهي لك أو للذئب''.
لذلك أعتقد أن حث المسؤولين في الأجهزة الحكومية وهيئاتها والشركات المشتركة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني على سبيل المثال لاغتنام العشر الأوائل من ذي الحجة بالعمل بمسؤولية كاملة وفق المفهوم الإسلامي كأحد أهم وأولى أوجه أعمال الخير ''كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته''، والمسؤولية الكاملة هنا ليست مسؤولية تسيير الأعمال بما لا يثير غضب المسؤول الأعلى بل العمل بإتقان وإبداع وابتكار وتطوير وبشكل مستمر مهما كلف ذلك من جهد ووقت، ولنا أن نتخيل نوعية وجودة الخدمات التعليمية والطبية والمرورية وخدمات الطرق والخدمات الاجتماعية وغيرها لو كان مفهوم المسؤولية هذا راسخا في رأس كل مسؤول ويعمل بموجبه طلبا للمغفرة والأجر والثواب لا خوفا من رئيس أو مواطن يعرف طريق الشكوى والإثارة.
أيضا لماذا لا نحث الموظفين في كافة الأجهزة الحكومية على ''التيسير'' كأحد أهم الأعمال الصالحة وترك التكاسل والتنكيل بالمراجعين ودعوتهم للمراجعة في الأيام أو الشهور أو السنوات المقبلة كما هو حال بعض المعاملات التي يمضي صاحبها سنوات خلفها دون فائدة ترجى بسبب موظف لا يرى في التيسير طاعة لله بل العكس تماما إذا يرى بالتعقيد والتشدد حلاً مثاليا لحماية نفسه من كل خطأ أو مساءلة، وكلنا يعلم أن هذا التشدد والتعقيد يتحول بقدرة قادر إلى تيسير شديد بهاتف أو وريقة صغيرة من نافذ له وزنه وسلطته.
كذلك لماذا لا نحث الناس على تعبد الله بالأعمال الصالحة من احترام وتسامح وإيثار في كل مناشط الحياة بما في ذلك قيادة السيارة، حيث يجب أن يحترم القائد نفسه فيقود سيارته وفق نظام المرور دون سرعة زائدة أو تعرج أو سقوط على الآخرين أو تجاوز للأولويات المرورية وعرقلة السير دون احترام للآخرين وما أكثر ما نرى الطريق مسدودا من قائد لا يحترم نفسه ولا الآخرين يريد تجاوز دوره ليحشر سيارته بين سيارة متقدمة وبين الرصيف رغم احتجاج الكثير، نعم أليس احترام الآخرين عبادة، أم العبادة صلاة وصيام دون أثر لذلك في أخلاق فاعلهما.
ختاما أقول إن القيم والمفاهيم الأخلاقية وممارستها عبادات ذات أولوية وهي محصلة الإيمان والصلاة والصيام والحج والعمرة التي يراها ويلمسها الآخرون في تعامل من يؤديها وأرجو أن يحرص المشايخ وأئمة المساجد والدعاة على تعزيزها في كل مناسبة دينية يتطلع المسلمون لحصد الحسنات فيها لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، وأن يوضحوا العلاقة بين العبادات الروحانية وعبادة المعاملات لتكتمل الصورة في ذهن المتلقي بما ينعكس إيجابا على أخلاقه وعلاقاته بالآخرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي