إلى وزارة المياه .. هل بالفعل هناك تسرب لمخزون الماء في بعض السدود؟
لقد حبا الله بعض الدول بمصادر مياه تغنيها عن البحث عنه بدائل صناعية، فهناك الأنهار الجارية، والمياه الجوفية العذبة، والأمطار الغزيرة، والمناخ الرطب وهذه الدول لا يمكن أن يخطر ببالها أن يكون الماء في يوم من الأيام سلاحا يهدد بقاءها ويعوق تنميتها. وهناك دول أخرى شاء الله أن تكون معيشتها وسط صحاري قاحلة أو فوق قمم جبال شاهقة لا تملك أي مصدر آمن للمياه، فلا أنهار، ولا أمطار، ولا مياه جوفية، وتظل تكافح منذ نشأتها في توفير هذا المورد الاستراتيجي المهم بوسائل بديلة تضمن تدفقه وتحافظ على سلامته وأمنه، وفي طليعة هذه الدول المملكة العربية السعودية.
لقد مَنّ الله على بلادنا بموارد طبيعية وكنوز ثمينة، إلا أنه سبحانه قدر عليها أن تكون شحيحة المياه قليلة الأمطار شبه خالية من المياه الجوفية. وهذا العوز لم يغب يوما من الأيام على قيادات هذا البلد قديمهم وحديثهم. فقد أدركت بلادنا مبكرا تهديد نقص المياه فبذلت الأموال الطائلة وأوقفت بعض المشروعات الكمالية بهدف جلب المياه بكل الوسائل المتاحة، ونحن نرى الآن شبكة تحلية المياه العملاقة التي تربط البحر بالجبل والسهل بالتل حتى أصبح المواطن يجلب له الماء باردا سائغا شرابه، ويصله بكل يسر وبأثمان زهيدة، وإن كان فوق قمة شماء أو وسط صحراء جرداء. كما أخذت البلاد نصيبها من السدود تشيد عند ملتقى الجبال ومنعطفات الوديان، هذا إضافة إلى توافر الآلات الحديثة التي تمكن المواطنين من حفر الآبار للحصول على المياه من باطن الأرض.
وبعد هذه الإنجازات العملاقة ينبغي علينا أن نقف قليلا لنقيّمها، خصوصا المشروعات التي قامت بها وزارة المياه في السنوات العشرات الأخيرة، فمشروعات جلب المياه وإن كانت تصب بالفعل في مصلحة الوطن والمواطن وتحمي البلد من تهديد نقص المياه إلا أننا نريد أن نقيّم جودة الأداء، فالاستعجال في استكمال البنية التحتية لجلب المياه قد يكون له الأثر الكبير في جودة العمل، وقد يتسبب في بعض الخلل، فهو عمل بشري الخطأ فيه وارد، ونعلم أن أي خلل يحدث في تطوير وتصميم مصادر المياه ستكون نتائجه مدمرة. حتى تتضح لنا الصورة دعونا نأخذ بعض ملاحظات المواطنين على بعض مشروعات المياه في الآونة الأخيرة، خصوصا السدود الحديثة التي أنشئت في بعض المناطق.
لاحظنا في الآونة الأخيرة بعد أن اكتمل بناء بعض السدود في بعض المناطق وبدأت الاستفادة منها في حجز مياه الأمطار أن الوزارة - ممثلة في مصلحة المياه - تسمح في فترات متقطعة ولفترات طويلة لمخزون المياه في الجريان فنرى جريان المياه في النهار ونسمع هديرها في الليل تسير بغير هدى في الوديان في غير مواسم الزراعة وفي غير أوقات الري؛ ما جعل المواطنين الذين يقطنون على مقربة من هذه السدود يتساءلون عن السبب الحقيقي لتعمد وزارة المياه هدر المياه والسماح لها بالجريان في بطون الأودية بهذا الكم الهائل، حتى نفدت بعض السدود من كمية المياه التي تحتجزها. وعدم تبرير الوزارة لفعلتها هذه أدى إلى تأويل الأمر من قبل الرأي العام، فمنهم من يرى أن هناك عدم وعي من المسؤولين في وزارة المياه بأهمية المياه، أو أنه تم تشييد تلك السدود دون دراسة مستفيضة أو أخذ مشورة أهل الخبرة في المنطقة المعنية. البعض الآخر يرى أن الوزارة هدفها صيانة السدود، لكن لماذا لم تفرغ السدود القديمة عند إجراء عملية الصيانة، عليها فالوزارة تقوم بصيانة دورية للسدود القديمة منذ أكثر من 40 عاما دون أن تفرط في قطرة واحدة من مخزون السد من المياه؟ كما أن تغاضي وزارة المياه عن إيضاح سبب تفريغ السدود من مخزن المياه قيض تساؤلا آخر يجول في أذهان الناس، وهو ظنهم أن هذه السدود تم إنشاؤها على عجل، وأن هناك تسربا في بعض أجزاء السد بسبب عيب إنشائي، والذي زاد من مصداقية هذه الإشاعة التصدع الذي ُيرى بالعين المجردة في بعض أجزاء بعض السدود الجديدة.
وأريد أن أختم فأقول إن كل هذا عبارة عن ظنون، لكنها لن تبقى كذلك وسيتعامل الناس معها كحقائق إذا لم توضح الوزارة مبررات منطقية لمثل هذا التصرف؛ لذا نريد من وزارة المياه بصفتها الجهة التي تشرف على السدود أن تقضي على هذه الشائعات وتئدها في مهدها وتبين لنا سبب تفريغ بعض السدود الحديثة من مخزونها من المياه، ونأمل أن يكون التبرير مقبولا وقابلا للتصديق، وإن كان هناك بالفعل تسرب بسبب خلل إنشائي نتيجة الاستعجال أو عدم الدقة في التنفيذ من قِبل الشركة المنفذة أو أنه تم تسلم المشروع دون إشراف هندسي، فعليها إيضاح كل ذلك للناس بكل شفافية، وتتخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع أي كارثة قد تحدث نتيجة انهيار بعض السدود - لا قدر الله. نرجو من وزارة المياه ألا تترك الناس يذهبون بأفكارهم بعيدا ويشردون بها هنا وهناك يبحثون عن مبرر لتعمد هدر مياه السدود بهذه الكمية الهائلة.