محاسبة المسؤولين في السويد والدول العربية
لنترك قراءتنا لأحداث 11 سبتمبر وما بعده جانبا لبعض الوقت ونقدم للقراء الكرام مقاربة ومقارنة لما يمكن أن يتعرض له كبار المسؤولين في السويد من محاسبة مع نظرائهم من العرب.
وأعتقد أن غالبية قراء هذا العمود يؤمنون أن الهدف الأول والأخير للمقاربة التي نجريها غايتها حث العرب والمسلمين على النهوض واللحاق بركب الحضارة والمدنية وهم لإسلامهم وقرآنهم حافظون.
والسويد ليست بلدا مثاليا، ولكنها تبز الدنيا في أغلب المجالات ليس العلمية والصناعية والتقنية فقط، بل في أسلوب التعامل الإنساني، الذي شبهناه وقاربناه في هذا العمود لما يمكن أن يكون عليه مجتمع إسلامي حقيقي.
ورقي وعلو السويد ومعها أغلب دول شمال أوروبا مرده أن كل شخص، ولا سيما القادة بينهم معرضون للمساءلة من قبل أي من مواطنيهم عن أي شأن يرونه مخالفا لشرف وأخلاق ومهنية الوظيفة التي يتقلدونها.
والمحاسبة - أي رفع شكوى ضد قائد أو مسؤول- لا تكفي. على القادة أن يبينوا ويوثقوا لشعبهم أن ما أتى في الشكوى غير صحيح. وإن فشلوا في ذلك خسروا ليس فقط مناصبهم، بل مكانتهم في المجتمع.
والإعلام في السويد من صحافة وتلفزيون وراديو وإنترنت مشغول بقضية بالغة الأهمية بالنسبة للشعب السويدي، ولكنني أكاد أجزم أنها لن تثار في أي بلد عربي والعلم عند الله.
كم هو مسكين رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي السويدي السيد هوكان يوهولد. خطيئته أنه لم يعد للبرلمان ما زاد من مبالغ صرفت له كمخصصات سفر خارج السويد، حيث تسلم مبلغا لمدة معينة، ولكنه عاد إلى الوطن بضعة أيام قبل إتمامها.
وكأن سحابة سوداء ظهرت في سماء هذا الرجل القوي، المرشح لمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات القادمة، لأنه رئيس المعارضة. وكي يتجنب هذه المصيبة (بالمفهوم السويدي وليس العربي) أعاد المبلغ فورا إلى الخزانة.
ولكن ما كاد الجمهور يغض النظر عن هذه الخطيئة حتى ظهر تحقيق صحفي يتهمه بحصوله على مخصصات سكن دون وجه حق يصل مبلغها إلى نحو 120.000 كرون سويدي (نحو 17000 دولار أمريكي).
وقامت الدنيا في السويد، ولم تقعد حتى اليوم والإعلام ينتف بريش الرجل. قال سأعيدها فورا ولكن المبلغ كبير (بالمفهوم السويدي وليس العربي) وتدخل المدعي العام وشكل فريقا لتقصي الأمر.
بعد التحقيق مباشرة وجه المدعي العام تهمة الاحتيال على المال العام إلى هوكان يوهولد، وهذا يعني أن عليه الحضور أمام قاضي التحقيق.
وهذا الرجل القوي تحول اليوم إلى نعامة ولا يمكن له بعد هذا الاحتيال أن يصبح مسؤولا أو قائدا في السويد. الذي يسرق بضعة آلاف من الدولارات قد يسرق خزانة شعبه في المستقبل.
ومستقبل شعب أهم بكثير من مستقبل رجل.
وإلى اللقاء.