رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المراهقة الفاعلة

لو سألت شخصاً من الأشخاص عن المراهقة ماذا تعني له لأفادك بأنها تعني السيطرة والمشاركة وحب البروز والعدوانية وإثبات الذات بصورة فجة والعناد والتفكير بصورة حدية يغلب عليها الخيار بعيداً عن إدراك الواقع بصورته الحقيقية لا كما يريد الفرد المراهق، للمراهقة أحلام عريضة وواسعة ليس لها حدود قد تقود صاحبها لممارسات سيئة ومدمرة للفرد وربما لغيره ممن يتعاملون معه.
هذه الصورة للمراهق هي الصورة السائدة في أذهان الناس، بل هي الصورة الفعلية التي نلمسها في الشارع حين يقود المراهق سيارته بسرعة جنونية غير مبال بقواعد المرور، ولا بحياته أو حياة الآخرين الذين يشاركونه الطريق في تلك اللحظة، هذه الصورة نراها في المدارس حيث التمرد على الأنظمة والمشاكسة، التي تصل أحياناً إلى العدوان بالضرب أو الشتم أو تدمير الممتلكات العامة لا لشيء إلا لإثبات الذات، ولو كان من خلال تصرفات سيئة وغير لائقة، وليست بذات فائدة.
هذه الصورة نجدها في الأسواق حين يستعرض المراهق ذاته بلباسه، أو بشعره، أو بسلوك لافت للانتباه ليقول للآخرين أو للآخر ها أنذا.
صورة المراهقة عالمياً واحدة تقريباً مع أن الثقافة والبيئة الاجتماعية تلعب دوراً في توجيه سلوك المراهق بهذه الصورة أو تلك، مع أنه لا يمكن خلع أو اقتلاع هذه الخصائص وما ينتج عنها من تصرفات، لارتباط المراهقة بمرحلة عمرية، وتغير في الشخص يشمل بناءه الجسدي ومشاعره، وطريقة تفكيره، ما يجعل هذه التصرفات تعبيراً عن واقع يمر به الفرد، ولا يمكن إغفاله عند التعامل مع المراهق في أي مجال من المجالات سواء كان في البيت أو المدرسة أو مراكز الشرطة أو في الملاعب الرياضية، التي كثيراً ما تظهر فيها خصائص المراهقة بشكل جلي، حيث يعبر المراهق عن انتمائه وهويته الرياضية بلباس وألوان على وجهه ترمز لشعار النادي الذي يشجعه.
كتب التربية وعلم النفس تحتوي على الكثير من المناقشة لموضوع المراهقة نظراً لأنها تجسد هاجساً مؤرقاً لكثير من الأشخاص والجهات ذات العلاقة بالمراهقة، نظراً لما يترتب عليها من سلوكيات وتصرفات مزعجة ومرهقة، ومكلفة مادياً ونفسياً للوالدين والأساتذة. ''في بيتنا مراهق'' هو عنوان لكتب بدأت منذ فترة تعرض في المكتبات استجابة لحاجة الناس إلى هذا النوع من الكتب التي تقدم المشورة والنصائح في الكيفية المناسبة التي تساعد على حسن التعامل مع المراهقين.
القوات الأمريكية في العراق واجهت ظاهرة تبدو كأنها غريبة، ذلك أن هذه القوات لاحظت أفراداً في مرحلة المراهقة من حيث العمر، حيث أعمارهم تبلغ 14 و15 يتصدون لها ويقومون بأعمال مواجهة لا يقوم بها في الغالب إلا أفراد بالغون، هؤلاء الأفراد تجاوزوا المظاهر العقلية والانفعالية والسلوكية للمراهقة، وبلغوا مرحلة النضج في هذه الجوانب قبل وقتها، لذا عنيت هذه الظاهرة بالدراسة والبحث، والاهتمام من قبل علماء النفس والتربية في الولايات المتحدة سعياً منهم لتفسيرها ومعرفة أسبابها.
هذه الظاهرة تظهر بين فينة وأخرى، وفي بعض المجتمعات حسب الظروف التي يمر بها الفرد أو المجتمع، وقد كان في السابق، وفي مجتمعنا يقوم المراهق بل الطفل بدور الأب حين يسافر أبوه فترة طويلة، وهذا كان يحدث نظراً لظروف الحياة في ذلك الوقت التي تستلزم الغياب عن الأسرة طلباً للرزق، حيث يستقبل الضيوف ويكرمهم، ويبيع، ويشتري، ويقوم بكل الأمور التي تحتاج إليها الأسرة.
دراسات أجريت في الولايات المتحدة نفسها تبين منها أن أطفال الوالدين المدمنين يقومون بأدوار الرعاية والاهتمام بوالديهم نظراً لتخلي الوالدين عن دورهما وعجزهما عن القيام بالواجب تجاه أطفالهما وتجاه نفسيهما.
بقي أن نقول إن الحاجة إلى إثبات الذات نقطة إيجابية تتوافر عند المراهقين، لذا يمكن للوالدين أو المعلمين استغلالها وعدم قتلها أو مواجهتها أو التصدي لها، وذلك من خلال خلق النشاطات والمواقف التي يحقق فيها المراهق هذه الحاجة، وفي الوقت ذاته تكفي والديه والمجتمع الآثار السلبية المترتبة على عدم الاهتمام بهذه الحاجة.
إن الارتقاء بهذه الحاجة وتهذيبها واختيار أفضل الأساليب للاهتمام بها ورعايتها هي الأسلوب الأمثل إذا ما أردنا أن نعبر بشبابنا مرحلة مراهقة آمنة ومثمرة في الوقت ذاته بدلاً من تجاهلها أو الوقوف في وجهها ومن ثم التعرض لآثارها السلبية. وكي نحقق هذا الشيء لا بد من اعتبار المراهق مستودعاً مملوءا بالطاقة والحيوية، ودورنا في هذه الحالة حسن استثمار وتوجيه هذه الطاقة وهذه القدرات حتى لا ترتد على صاحبها، أو على أهله ومجتمعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي