الطب البيطري تخصص مطلوب في سوق العمل (1 من 2)
صناعة الثروة الحيوانية في المملكة تمر في طريق لم تحدد معالمه، ويكاد يواجه معوقات وعقبات تحتاج من أصحاب القرار إلى إيلائه الكثير من الاهتمام، ونحن نحاول تحقيق متطلبات سوق العمل. المؤسسات والجمعيات العلمية المختلفة ما زالت تنشر من وقت إلى آخر ما يهم أصحاب القرار بعضا من معاناة الأطباء البيطريين السعوديين ومساعديهم بهدف تحقيق ما بدئ به ولم تصل الرسالة به بعد. هذا يستدعي مضاعفة الجهود وتنويع الخطاب ونقله إلى أروقة مختلفة كمجلس الشورى ومجلس الخدمة المدنية والخدمات الصحية وغيرها.
الجمعية الطبية البيطرية السعودية منذ أن أنشئت بعد قيام الكلية في جامعة الملك فيصل في عام 1395هـ الموافق 1975، وكلية الزراعة والطب البيطري في القصيم في عام 1407هـ الموافق 1987، وهي تحاول تعزيز دور الجهات الحكومية تعليما وتدريبا ليكون خريجو هذه المؤسسات العلمية الشامخة أهلا لما أنيط بهم من عمل وسببا في بقاء الطبيب البيطري تخصصا لا يمكن الاستهانة به كأحد جدر الحماية الصحية للثروة الحيوانية. المجتمع ما زال غير مقدر أهمية مثل هذا الطب لأنه دأب على أن يتغذى على الحيوان الذي رباه في حظيرته، وتعلم من أسلافه بعض الإجراءات التي تحميه ليصل إلى حظائر الحراج لبيعه، وأما تربية أخرى أو تغيير النشاط. لذلك إذا ما تعرض المجتمع لبعض الجرعات المصورة لحجم دور الحيوانات في كل الأمراض المنقولة من الحيوان للإنسان وبالعكس عبر وسيط ناقل للمسبب المرضي أو بشكل مباشر فإن مستوى النقاش سيتطرق إلى: هل يمكن أن تكون في كل مجموعة أحياء عيادة للطب البيطري؟
وظيفيا وخدميا فإن المساواة بين وظيفتي الطبيبين (البيطري والبشري) لا يمكن أن تقارن حاليا، لأن الجميع سيجمع على أن البشر أغلى من الحيوان المعد للركوب والغذاء والتدفئة ... إلخ. لكن ماذا لو علم الفرد منا أن الطبيب البيطري يستغرق الوقت ذاته تقريبا في الإعداد دراسة وتدريبا. ويحتاج إلى رخصة للعمل وعليه الاستمرار في الاطلاع والتدرج في الحصول على الدرجات العلمية العليا مثله مثل الطبيب البشري لأن الحيوان ناقل للعدوى خطير، وتكيف المسببات المرضية أصبح محيرا للعلماء ومثيرا للجدل في الأوساط العلمية عامة. هذا إضافة إلى أن الطبيب يتدرب ويعمل في بيئة لا يستطيع الطبيب البشري أن يعمل فيها لأنه يقوم بالتعامل مع هذه الكائنات وأحوالها وروثها سواء مصابة أو سليمة، راميا بنفسه في أحضان بيئة خطرة في أغلبية الأحيان وكأنه في حقل ألغام أو مجموعة قنابل موقوتة لا يعلم مدى خطورتها إلا إذا بدأ الكشف عليها وحدد موقع وحجم الإصابة والعلاج اللازم لها.
مالياً.. إذا ما قورنت المرتبات بين دول عدة، فقد نجد أن الطبيب البيطري يتقاضى بعد تخرجه 8010 ريالات ويمكن التدرج في الوظيفة والترقي إلى أن يصل آخر مربوط في المرتبة الثالثة عشرة بنحو 21 ألف ريال حسب السلم الوظيفي العام. في حين يتقاضى الطبيب المقيم 9200 ريال ويصل في نهاية الخدمة إلى 39 ألف ريال حسب السلم الوظيفي للكادر الصحي. بالنظر في هذا الفرق يمكن تبرير الفارق لمصلحة الطبيب البشري بنسبة معينة لأن حياة البشر الأغلى والأكرم وخلقه الأقوم. إلا أن الطبيب البيطري أيضا أصبح مهما في محيطه الذي لا ينفصل عنا ولولا أن وقوفه في كثير من الأوقات لحماية الحياة الفطرية من التدهور والتأثير في حياة البشر لكنا الآن ضعفاء ومعرضين للفتك الفيروسي والبكتيري والطفيلي من دون احتياطات أو احتراز، وبالتالي نصل إلى الإخلال بتوازن المعيشة على الأرض لأننا لم نأخذ بالأسباب.
من الناحية العلمية التعليمية فضعف الكادر التعليمي عددا وتخصصا ومستوى تأهيليا يمكن أن يقاس ويحدد حجم الإشكال بالنظر إلى مستويات الخريجين وإنتاجهم. أما من ناحية قلة المؤسسات التعليمية المنفذة لبرامج الطب البيطري والبيطرية المساعدة فقد قدر أنها في حاجة ماسة إلى تطوير ورفع قدرته لتتماشى مع ما نواجهه سنويا من الإصابات والأمراض الفتاكة ورفعا لمستوى الأداء بشكل مستمر. لقد باتت الدول معرضة أكثر من ذي قبل للجوائح إذ بدت المسببات المرضية أكثر مقاومة للمواد العلاجية. أما طبيعة الانتشار فهي تسلك أسرع سبل التطور والنمو، مستغلة وسائل النقل والظروف البيئية المختلفة المشجعة على العدوى في أي وقت صيفا وشتاء نهارا وليلا وخلال أيام الجفاف أو أشد الأيام رطوبة. وبالتالي فتقدير الظروف لا بد أن ينعكس على مقدار العطاء وحجمه ونسبة تغيره. وهذا ينطبق على الطبيب البيطري ومساعده والممرض البيطري والصيدلاني ومديري الحظائر والمحاجر لأهميتها المباشرة وغير المباشرة.
وقدرت الجمعية حاجتنا في المملكة إلى 400 طبيب بيطري خلال هذه الخطة الخمسية، في حين أن 17 محجرا حيوانيا حاليا تفسح ما يزيد على 43 ألف حيوان سنويا، إضافة إلى وجود مزارع حكومية وخاصة والحاجة إلى توافر عيادات متخصصة في كل مدينة ومحافظة، فقد أصل إلى تقدير يفوق هذا الرقم بكثير. وعليه لا بد أن تكون هناك دراسة ميدانية تحدد حجم الاحتياج وماهية متطلبات الأداء بإجادة على مستوى المملكة عامة. هذه الدراسة لا بد أن تشمل مقارنات بعدد من الدول، خصوصا إذا ما قدرنا أن هناك طلبا على مستويات مختلفة في هذا القطاع إداريا وفنيا وبحثيا، إضافة إلى الخدمي.. وللحديث بقية.