دعم تصدير عمالتنا الوطنية وتأهيلها

أجواء أخوية سادت لقائي الأول بصديقي الكوري الجنوبي كيم هوان في بداية برنامج الدكتوراه في جامعة أدنبرة الأسكتلندية قبل عقد من الزمن. لم يكن الدافع خلف هذه الأجواء ذلك الدافع الطبيعي الذي ينشأ عادة بين مجموعة من الطلاب المستجدين في مرحلة الدكتوراه تنتظرهم رحلة مشتركة تمتد لقرابة نصف عقد من الزمن تحت قبة علمية واحدة. لكن كان الدافع مميزاً في طبيعته وأبعاده. بدأ كيم اللقاء بسرد مجموعة من الأماكن الشهيرة في مدينة الرياض واستذكارا لمجموعة من التقاليد العربية وشرحا لمثيلاتها من العادات السعودية. انتهت علامات الدهشة على محياي بعد أن ذكر كيم العلاقة بينه وبين مدينة الرياض وتقاليدها وعاداتها عندما أشار إلى أن جميع ما ذكره كان نقلاً عن والده السيد هوان ليو عندما توطدت علاقته بمدينة الرياض إبان عمله ضمن جيش من المهنيين الكوريين الجنوبيين في تنفيذ البنية التحتية لمدينة الرياض مطلع السبعينيات الميلادية. محبة واحترام وتقدير نشأت لدى السيد هوان بسبب عمله المميز في مدينة الرياض قبل قرابة ثلاثة عقود مكنته من اكتساب المعرفة المهنية والتجارية اللازمة التي ساعدته على تأسيس إحدى شركات مقاولات الصرف الصحي الكورية الجنوبية الناجحة وترؤس مجلس إدارتها اليوم.
تجربة ثرية أسهمت في دعم الاقتصاد الكوري الجنوبي بتوفير كوادر وطنية مهنية مؤهلة لتبني اقتصاد دولة ناشئة على مدى ثلاثة عقود حتى أوصلته إلى مكانة مرموقة على الخريطة الاقتصادية الدولية اليوم. تجربة ثرية تقودنا إلى طرح تساؤل عن مدى جدوى تصدير العمالة السعودية اليوم للعمل في الاقتصادات المتقدمة والناشئة بما يمكنها من اكتساب الخبرة المهنية اللازمة لدعم مسيرة الاقتصاد السعودي خلال العقدين المقبلين؟
تساؤل من الأهمية الإجابة عنه بعد المرور على توقعات النمو السكاني السعودي بحلول 2025، وما يرتبط بذلك من توقعات حجم القوى العاملة السعودية، ومعدلات البطالة الناشئة، وحجم التبادل التجاري المتوقع، ومثيله من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025.
توقع تقرير التنمية البشرية الأخير التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حدوث مجموعة من التطورات الديموغرافية والتنموية في المملكة على المديين المتوسط والبعيد. من هذه التوقعات نمو عدد سكان المملكة بمقدار 2.1 في المائة سنوياً خلال الفترة من 2005 إلى 2015 ليصل عدد السكان إلى 29.3 مليون نسمة نهاية 2015. ثم سيستمر معدل النمو هذا في النمو موصلاً عدد سكان المملكة إلى قرابة 40 مليون نسمة بنهاية 2025.
تقودنا توقعات النمو السكاني إلى النظر في مؤشرات القوى العاملة السعودية بحلول 2025 وأبعاد تحدي البطالة كأحد أهم التحديات التي يتوقع أن تواجهها عملية تأهيل العمالة الوطنية اللازمة لتنفيذ خطط توسيع القطاعات الاقتصادية والإنتاجية من اليوم حتى بلوغ عام 2025.
لكن من الأهمية قبيل ذلك أن نتدارس تعريف البطالة وآلية قياسها. تطلق منظمة العمل الدولية مصطلح البطالة على الفرد الخالي من العمل. وتعرف المنظمة الفرد الخالي من العمل بأنه الفرد الذي يكون فوق سن معينة بلا عمل وهو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه عند مستوى أجر سائد لكنه لا يجده. وتقاس البطالة بما يسمى معدل البطالة. ويعرف معدل البطالة بأنه نسبة الأفراد العاطلين عن العمل إلى نسبة القوى العاملة. وتنقسم البطالة إلى نوعين رئيسين: بطالة طبيعية، وبطالة غير طبيعية. وتعد الأولى حالة ''مستديمة'' تعم المنظومة الاقتصادية بجميع أجزائها، بينما تعد الثانية حالة ''مؤقتة'' تعم بعض أجزاء من المنظومة الاقتصادية. وتتلاشى الثانية بمجرد امتصاص الأجزاء الأخرى من المنظومة الاقتصادية حالة البطالة، وتحولها إلى حالة عمالة.
يستهدف الاقتصاد السعودية مجموعة من المستهدفات الطموحة بحلول 2025. من هذه المستهدفات ذات العلاقة بالقوى العاملة أن يصل إجمالي القوى العاملة إلى 15 مليون عامل. يشكل السعوديون منهم قرابة 11.85 مليون عامل سعودي. يشكل العاملون السعوديون الذكور قرابة 8.29 مليون عامل سعودية مقابل قرابة 3.56 مليون عاملة سعودية. يتوقع كذلك أن تحقق هذه القوى مستوى جيدا من التأهيل بتواجد قرابة 3.9 مليون يحملون الشهادة الجامعية، وقرابة 5.2 مليون يحملون الشهادة الثانوية، وقرابة مليون يحملون الشهادة المتوسطة، وقرابة مليون آخر يحملون الشهادة الابتدائية، والبقية يعرفون الكتابة والقراءة فقط.
وعلى الرغم من جميع هذه المستهدفات الطموحة، إلا أن نتائج اليوم وأداء الأمس ترسل رسائل تحذير بأن هذه المستهدفات قد تنجرف عن مسار الطموح إلى مسار الأماني الموازي لمسار الطموح بحلول 2025.
تشير إحصاءات مصلحة الإحصاء العامة والمعلومات إلى أن إجمالي القوى العاملة كان نهاية الستينيات الميلادية في المملكة قرابة 1.5 مليون عامل موجود معظمهم في القطاع الخاص وبنسبة سعودة تلامس الـ 90 في المائة. تطورت هذه الأرقام بشكل تدريجي طوال العقود الأربعة الماضية لتسجل قرابة ثمانية ملايين عامل، وبوجود قرابة 4.3 مليون عامل سعودي متواجد قرابة 73 في المائة في القطاع الخاص، وبمعدل بطالة لامس 11 في المائة. وعلى الرغم من قدرة الاقتصاد السعودي خلال الأعوام السبعة الماضية على استحداث ما معدله 200 ألف وظيفة سنوياً، إلا أن معظم هذه الوظائف المستحدثة كانت من نصيب العمالة غير السعودية، عطفاً على الأسباب ذاتها التي صاحبت الطفرة الاقتصادية الأولى قبل ثلاثة عقود والتي تدور معظمها حول عدم توافر العمالة الوطنية ''المؤهلة''!
أشار تقرير المراجعة السنوية عن الاقتصاد السعودي الصادر مطلع الأسبوع الماضي عن صندوق النقد الدولي إلى حجم تكلفة استيعاب القوى العاملة السعودية في سوق العمل السعودية. حيث أشار التقرير إلى أن الاقتصاد السعودي يجب أن يحقق معدل نمو سنوي يقارب 7.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال العقد المقبل. وسيستحدث معدل النمو هذا قرابة 230 ألف وظيفة سنوياً. سيتيح هذا التوسع شغل هذه الوظائف الجديدة بعمالة سعودية مؤهلة قادرة على المشاركة بفاعلية في تحقيق معدل النمو السنوي المستهدف. وعلى الرغم من السياسات والإجراءات والمبادرات القائمة والهادفة إلى تقديم عمالة سعودية مؤهلة، إلا أن النتائج ما زالت دون المأمول في جانب الناتج المحلي الإجمالي، بشكل عام، وشقه غير النفطي، بشكل خاص.
تقودنا هذه النتائج المتواضعة في جانب إنتاجية الاقتصاد السعودي غير النفطية إلى النظر في أهمية توفير العمالة الوطنية المؤهلة في القطاعات غير النفطية. وأحد المجالات التي ستسهم في دعم هذا الجانب تواجد العمالة السعودية في بيئة عمل غير نفطية تمكنها من اكتساب التأهيل المهني والخبرة التجارية التنموية اللازمة في تحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد السعودي. ومثل هذه المبادرات لا يمكن أن تحقق النتائج على المستوى الوطني دون توافر الدعم الحكومي لتواجد العمالة الوطنية خارج مظلة الاقتصاد السعودي لفترة زمنية تمكنها من تحقيق الهدف المنشود على المدى البعيد. دعم حكومي على غرار برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي. برنامج وطني يعمل وفق منهجية تستهدف تحقيق مستهدفات الاقتصاد السعودي بحلول 2025، بعون الله تعالى وتوفيقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي