رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السبيل لرؤية «الإعجاز الأخلاقي» بالقرآن والسنة النبوية على أرض الواقع

السيارات تصطف في ثلاثة مسارات أمام الإشارة بشكل متعرج ومتداخل وغير منتظم رغم قيام المرور بتخطيط الطريق ومد الأرصفة بشكل كبير لضبط النظام، ويأتي أحد سائقي السيارات ليحشر سيارته بين الرصيف وسيارة أخرى واقفة حسب النظام ليمنع حركة السير للذين يرغبون في الالتفاف إلى اليسار قبل الإشارة ويعيق حركة السيارات الملتزمة بالنظام عندما تضيء الإشارة باللون الأخضر الأمر الذي يمنع انسيابية الحركة ويزيد من الازدحام، هذا المنظر والسلوك وغيره كثير من سرعة جنونية خطرة، وقطع للإشارة الحمراء، وعدم احترام الأولوية عند الإشارة وفي الدوارات، وعدم احترام الخطوط الأرضية وخطوط المشاة وغير ذلك كثير يثبت ضعف الأخلاق وعدم احترام النفس أولا والآخرين ثانيا.
مظاهر ضعف الأخلاق - التي لا نراها في الدول الغربية وبعض الدول العربية عند السفر- في أكثر من مكان ومجال فكم من مراجع يريد أن يأخذ أكثر من حقه ويتجاوز النظام، وكم من موظف يريد أن يمنع المراجع من حقه إلا بواسطة أو رشوة أو استجداء، ولنا في المشهد الذي نشرته صحيفة ''سبق الإلكترونية'' الذي يطرد به أمين عسير بشكل فج مواطنا يطالب بحقوق منطقته رغم توجيهات خادم الحرمين الشريفين المسؤولين لسماع المواطنين وتلبية متطلباتهم.
أحد الأصدقاء يقول إن كاتب العدل في إحدى محافظات الأطراف أصدر نظاما لا مرجعية له يقول بنقل أرض واحدة لكل مراجع على ألا تزيد معاملات نقل ملكية الأراضي يوميا عن 14 معاملة الأمر الذي يجعل المواطن الذي يريد أن يبيع أو يشتري أرضا أو أكثر يراجع لأكثر من يوم وعليه أن يترك عمله وأشغاله الأخرى استجابة لهذا القرار الذي ينضح بالأخلاق خصوصا تلك المرتبطة بالتيسير والتعاون والتراحم، ويضيف صديقي هذا أن الكاتب يريدنا أن نشتكي عليه لينقل إلى مدينته التي جاء منها.
المضحك المبكي أنني لطالما أسمع وأقرأ من كثير ممن يتحدثون عن الإعجاز القرآني العلمي والعددي وهم يمارسون بل يفخرون بمخالفة تعاليم الدين الإسلامي أخلاقيا، وبالتالي لا أجدهم يتطرقون بتاتا للإعجاز الأخلاقي للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، نعم فهذا يتحدث عن الأجرام وذاك يتحدث عن البحر المسجور وآخر يتحدث عن النسيج الكوني ورابع يتحدث عن معجزات عددية ولا بأس في ذلك كله، ولكن أين أخلاق التعامل (الدين المعاملة)؟ أين الحديث عن الإعجاز الأخلاقي أليس هو الأولى أن نركز حديثنا حوله ونؤلف به الكتب ونعقد له الندوات والمحاضرات والدورات، أليست الأخلاق هي المعيار الحقيقي للتقدم الحضاري ''فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا''.
يقول الدكتور طه رامز استشاري الطب النفسي وخبير التنمية النفسية وتعديل السلوك (لقد كانت بلاد العرب قبل الإسلام موطناً للوثنية والجمود والقسوة والعنف، فكيف تغيرت خلال سنوات قليلة في عصر النبوة إلى مجتمع فاضل يلتزم أفراده بسلوكيات متحضرة؟! وكيف تغيرت سلوكيات وعادات الناس وقتها فتعلموا الضبط الذاتي وتخلصوا من العصبية والغضب بالحلم وتخلصوا من الحقد والعدوانية وتعلموا الرفق والعفو والإحسان، وكيف تحول الحرص على جمع المال والنهم والطمع إلى سخاء ومساعدة الفقير والمحتاج؟ بل كيف تخلصوا من إدمان الخمر وأسوأ الخصال كالغيبة والنميمة والرياء وآفات اللسان الأخرى كالسب والفحش والسخرية والاستهزاء بالآخرين، فكيف تحولت هذه السلوكيات إلى آداب وسلوكيات راقية؟ لا شك أننا أمام معجزة بكل المقاييس لأنها تمت في سنوات محدودة وعلى مستوى جماعي لم يحدث في التاريخ البشري).
والسؤال لماذا اختلت المنظومة الأخلاقية في بلادنا ونحن بلاد الحرمين حيث بتنا نرى التناقض في الشخصية الفردية فضلا عن التناقض الجمعي من جهة المواقف والسلوكيات، نعم تجد شخصا يكرم الضيف بأنواع الأطعمة ولا يكرم مراجعا له في مكتبه بوظيفته بكلمة طيبة أو فعل كريم، ولا يكرم قائد سيارة أخرى بخلق الإيثار بدل خلق التحدي، والأمثلة كثيرة ومتعددة ولا يتسع المقال لحصرها.
السؤال الأهم في نظري ما هو السبيل لرؤية ''الإعجاز الأخلاقي'' بالقرآن والسنة النبوية على أرض الواقع؟ يقول الدكتور طه رامز (إن الأجدر بالدراسة والاهتمام هو الإعجاز السلوكي والأخلاقي في الإسلام من خلال مقارنة سلوكيات وأفعال الرسول ''صلى الله عليه وسلم'' وأسلوبه في تعديل سلوك عادات من حوله طبقاً لمعطيات العلوم السلوكية وعلم النفس المعرفي السلوكي الحديث ولأساليبه وميادين تطبيقه، والتحكم فيها وتعديلها نحو خير الفرد والمجتمع، ومن خلال مقارنة ما ورد في القرآن الكريم من نصوص وإشارات وتوجيهات لتعديل السلوك الإنساني وما قدمه الرسول- صلى الله عليه وسلم - من نماذج وتطبيقات عملية للسلوك السوي وكيفية ضبطه وتعديله بما توصلت إليه الدراسات الحديثة يدل بصورة قاطعة على أن القرآن ليس من عند محمد، بل هو من عند الخالق العظيم العالم بالنفس الإنسانية التي خلقها وأبدع صنعها).
وأثنّي على رأي الدكتور رامز، وأقول نحن بحاجة لتحويل هذا الرأي من عالم الفكر إلى الواقع من خلال تأسيس مركز فكري تتبناه إحدى الجامعات الكبرى لدراسة معجزة تحويل بلاد العرب من منظومة الأخلاق السيئة كالجمود والقسوة والعنف، والعصبية والغضب والحقد والعدوانية والسخرية والاستهزاء بالآخرين وغيرها إلى منظومة الأخلاق الحميدة كالتعايش والحلم والرفق والإحسان والسخاء في وقت قياسي وبالإقناع والرفق والرحمة دون حزم وقوة وعنف، للوصول إلى سر هذه المعجزة لاستثماره في تطوير المنظومة الأخلاقية في بلادنا.
كما أرجو أن يتعاون مركز الفكر المعني بالإعجاز الأخلاقي للقرآن والسنة النبوية مع كافة الجهات المعنية بالتعليم والتربية لوضع برنامج زمني لغرس القيم والمفاهيم الأخلاقية الإسلامية الحقيقية في نفوس المواطنين التي ستلعب حال رسوخها في نفوسهم دورا كبيرا في تحقيق الأهداف التنموية في كافة مجالاتها دون عوائق رئيسية كما هو الوضع الحالي حيث الفساد الإداري والمالي يهدر المال والجهد والوقت بشكل غير مقبول إطلاقا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي