رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل أعلن البطريرك الحرب؟!

البطريرك راعي الكنيسة المارونية في لبنان وفي زيارة له إلى فرنسا أدلى بتصريح مدو وخطير، حيث قال: إن سقوط نظام الأسد يهدد وجود الأقليات في الشرق وقد يؤدي بهم إلى الهجرة خارج المنطقة، وتزامن مع هذا التصريح للراعي تصريح آخر أدلى به ميشيل عون، حيث هو الآخر قال إن السنة يشكلون تهديداً للأقليات. هذا التصريح أحدث ردود فعل داخل لبنان وخارجه، منها ما هو ضده ومنها ما هو مؤيد له داخل الوسط المسيحي وخارجه، ولعل بعض هذه التصريحات كان هدفها امتصاص الغضب، إن وجد غضب، أو محاولة تحسين للتصريح وتخفيف آثاره في العلاقة بين مكونات لبنان.
تصريح بطريرك الكنيسة المارونية وتصريح عون لا يختلفان عما يردده نظام الأسد في وصفه المتظاهرين والمحتجين على الحكم الذي استمر مدة تزيد على 40 عاماً مارس فيها النظام كل أشكال الظلم والاستبداد إزاء الأكثرية السورية، كما طال الأذى الشعب اللبناني أثناء احتلال سورية للبنان، ومع ذلك يتجرأ البطريرك وكذلك عون على تصريحاتهما نحو المكون السني.
أمر عجيب الراعي يخاف على الأقلية الحاكمة في سورية، لكنه لا يبدي بالاً ولا يهمه ما يحدث للأكثرية من ظلم وقتل وتدمير للممتلكات والبيوت والمساجد، وهو بهذا التصريح يضع نفسه بجانب الظلم والظالم ويخالف تعليمات كنيسته التي لا ترضى الظلم لأي كان، إلا إذا كانت تعليمات الكنيسة قد تغيرت لتغير الأوضاع في المنطقة، وهذا ربما يبرره من وجهة الراعي ومنتسبي الكنيسة قبول الظلم الذي يقع على الآخرين طالما أنهم ليسوا مسيحيين.
من يقرأ أو يسمع تصريحات راعي الكنيسة المارونية يتساءل: كيف يكون بقاء نظام استبدادي تسلط خلال عقود على السوريين وغيرهم في مصلحة الأقليات؟! هل يتصور أحد أن يكون نظام قائم على الاستبداد حامياً للأقليات؟ وهل فعل ذلك خلال فترة حكمه سورية؟ الشواهد تقول إنه مارس الظلم والاستبداد على الأكثرية وعلى الأقليات. إن تصوير النظام السوري كحام للأقليات فيه ظلم وتجاوز للحقيقة، لكن ربما يكون هناك مصالح متبادلة بين الكنيسة وأتباعها من جهة والنظام السوري من جهة أخرى.
لست بصدد الرد على البطريرك لأن من يتجاهل حقائق التاريخ القديم والحديث ويتجاهل حقائق الواقع المعاش ليس من المناسب مناقشته، فهو لم ينطلق في تصريحاته إلا ليحقق هدفاً أو أهدافاً لطائفته، وهو لا يلام على ذلك، لكن لا يكون ذلك على حساب الآخرين ومصالحهم، ولا يكون بالتدخل في شؤون بلد آخر، خاصة عندما يكون تدخله ضد الأكثرية ومع الأقلية الظالمة والمعتدية. منذ قرون والمنطقة العربية، بل العالم أجمع السنة هم الأكثرية، وعاش بينهم ومعهم أقليات كثر سواء من ديانات أخرى كالمسيحيين واليهود والصابئة واليزيدية، إضافة إلى منتسبي المذاهب الإسلامية الأخرى، ومع ذلك عاش الجميع في كنف السنة في وئام وسلام وأمن وتعلموا وبنوا أنفسهم وحقق كثير منهم نجاحات سياسية واقتصادية رفيعة وربما يجهل أو يتجاهل الراعي أن أحد رؤساء وزراء سورية، التي يتحدث عنها، كان مسيحياً بعد الاستقلال، فهل الأكثرية السنية تهدد وجود الأقليات؟
التاريخ المعاصر يقول لنا إن الأقليات في العراق عاشت جنباً إلى جنب في عهد الحكومات السنية المتعاقبة، ومع ذلك لم يتعرضوا لأي أذى ولم يحدث الاعتداء على المسيحيين وعلى كنائسهم إلا بعد سقوط نظام صدام حسين، هذا خارج لبنان، أما في لبنان فإن الواقع يقول إن رئيس الدولة وقائد الجيش وكذلك كثير من المناصب العليا هي من حق المسيحيين المتفق عليه بين الطوائف، مع العلم أن المسيحيين لا يشكلون أكثرية في لبنان، بل إن المسلمين السنة هم الأكثرية مقارنة بغيرهم من الطوائف والمذاهب المتعددة في لبنان، مع أن سكان وادي بني خالد وهم سنة لم يدخلوا في التعداد السكاني إلى وقت قريب.
تصريح البطريرك ومعه عون ومعهما النظام السوري فزاعة أريد بها إثارة مخاوف الأقليات لتلتف حول بعضها بعضا وتتحد في وجه السنة، وهم الأكثرية في المنطقة، وهذا ليس في مصلحة أبناء وشعوب المنطقة الذين عاشوا في مجتمعاتهم كأسرة واحدة لم ينقصها شيء طوال عقود إلا عندما بدأت هذه الأقليات تسعى إلى أخذ كل شيء سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً وتترك الأكثرية بلا شيء، ومن يتفحص في واقع المجتمعات العربية يجد هذه الحقيقة. إن تصريح البطريرك ومعه عون يمثل إعلان حرب على أكثرية طالما عاشت معها أقليات في وئام وسلام واحترام متبادل، مع ضمان لحقوق الأقليات في المجالات كافة. فهل يبقى الحكماء في هذه الأقليات صامتين وهم يرون من يشعل الحريق في مجتمعاتهم؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي