رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأوروبيون في عين العاصفة

كانت نهاية الأسبوع الماضي مشحونة بالكثير من الضغوط التي سادت الكثير من الاجتماعات والبيانات الرسمية والندوات، التي انطلقت على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين. هذه الاجتماعات تعد أحد أهم ملتقيات الاقتصاد والمال في العالم، التي يشارك فيها عادة ما يتجاوز عشرة آلاف شخص من مختلف الدول النامية والمتقدمة، وممثلو القطاع العام والخاص، وممثلو كبرى المؤسسات المالية في العالم. تمثل هذه الاجتماعات فرصة للكثيرين للالتقاء على هامش الاجتماعات، كما أن برامج الندوات تتضمن العشرات من أكثر المتحدثين اللامعين في مجال الاقتصاد والمال. وفي هذا العام بالذات، تميزت الاجتماعات بكثرة البيانات الرسمية، حيث عقدت اجتماعات اللجنة النقدية والمالية الدولية، ولجنة التنمية الدولية، إضافة إلى اجتماع لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين، واجتماع وزراء مالية ووزراء التنمية لدول مجموعة العشرين أيضاً.
وكان حديث الساعة ومحور النقاش في كل هذه الاجتماعات، الأزمة التي تواجه أوروبا، وبالتحديد منطقة اليورو، التي زادت حدتها خلال فترة الاجتماعات، لكن البيانات الصادرة عن كل هذه الاجتماعات، خصوصاً اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين، أضفت ولو بشكل مؤقت نوعاً من الاطمئنان على الأسواق المالية، التي أصبحت أكثر حساسية لكل ما يصدر عن اجتماعات الأوروبيين حول هذه الأزمة، حيث لم تعكس حتى الآن هذه الاجتماعات اتفاقاً واضحاً حول سبل حل الأزمة. اليونان تسعى الآن إلى الحصول على دفعة تمويلية جديدة من برنامجها الاقتصادي الذي يراقبه ويموله كل من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ودون الحصول على هذه الدفعة سيكون من الصعب على اليونان المضي قدماً في هذا البرنامج التقشفي الذي يواجه معارضة داخلية كبيرة، وقد يجعل من الصعب بمكان الدخول في برنامج تمويلي جديد.
دول منطقة اليورو، وبالتحديد الدول الكبرى كألمانيا وفرنسا، واجهت انتقادات كثيرة، من قبل المشاركين في ندوات الاجتماعات السنوية، كما أنها واجهت أيضاً ضغوطاً من قبل صناع القرار، لحثهم على المضي قدماً في حل مشكلة الديون الأوروبية. وتعارض ألمانيا بشكل كبير إصدار سندات أوروبية أو زيادة حجم التمويل لمؤسسة الاستقرار المالي الأوروبي، على اعتبار أن الاقتصاد الألماني الأكبر، هو من سيتحمل العبء الأكبر نتيجة لذلك، فألمانيا التي تتمتع بتصنيف ائتماني عال جداً (AAA) ليس في مصلحتها إصدار سندات أوروبية يكون تصنيفها الائتماني أقل من ذلك. إضافة إلى ذلك، فإن أي زيادة في حجم مؤسسة الاستقرار الأوروبي، سيقع عبئها بشكل أكبر على ألمانيا، وستفاقم من مشكلة الخطر الأخلاقي Moral Hazard لأن ذلك سيقلل الحافز لدى الكثير من الدول لتشدد إنفاقها، ولتعيد استقرار وضعها المالي على المدى الطويل. الفرنسيون، كما سبق أن ذكرت، هم الأكثر انكشافاً على ديون اليونان، ولذلك فهم يضغطون على اليونان لتنفيذ برنامج تقشفي كبير، تفادياً للجوء اليونان إلى إعلان إفلاسها، الذي بدأت شائعات كثيرة تدور حول أن هناك سيناريوهات لاحتمال إفلاس اليونان عن 50 في المائة من ديونها.
المشروع الأوروبي الأهم خلال 50 سنة الماضية هو الاتحاد النقدي وتأسيس منطقة اليورو، التي كان هناك رهان على أنها ستكون أهم وأكثر منطقة اقتصادية مؤثرة في الاقتصاد العالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية. اليوم هذا المشروع الحلم بالنسبة للأوروبيين يواجه تحدياً كبيراً جداً، واختباراً صعباً في مدى إمكانية ثباته واستمراره. التحدي يتمثل في مسؤوليات الكبار في مقابل مسؤوليات الصغار في الاتحاد النقدي، أو بمعنى آخر أعباء المسؤولية الجماعية للسياسات الاقتصادية المنفردة للدول. الخطأ الأكبر كان في الاستعجال الكبير في دخول دول غير مهيأة للاتحاد النقدي، وفي عدم تحديد الكثير من الأمور المتعلقة بحوكمة الاتحاد نفسه، خصوصاً ما يتعلق منها بالمالية العامة. الزمن أثبت أنه لا يمكن الدخول في اتحاد نقدي، دون أن يكون هناك تنسيق كبير أو اتحاد في سياسات المالية العامة. أي أن الاتحاد النقدي يعد مرحلة متقدمة جداً من الاتحاد السياسي، المتمثل في اتحاد المسؤوليات والمنافع المتعلقة بالاتحاد ككل. هناك دعوات كثيرة تدعو الآن إلى أهمية تأسيس اتحاد مالي، بما في ذلك دعوة وجهها المستثمر المعروف جورج سوروس، الذي دعا الأوروبيين إلى الشروع في وضع أسس لهذا الاتحاد، ليكون الاتحاد النقدي أكثر متانة، وكي تكون السياسات المالية أكثر اتساقاً بين الدول.
وفي النهاية، من الممكن شراء الوقت بالدخول في مزيد من النقاشات والمفاوضات، لكن سيكون من الصعب شراء النتائج. والوقت بالنسبة للأوروبيين حاسم جداً لتنفيذ تعهداتهم التي اتفقوا عليها في الحادي والعشرين من تموز (يوليو) الماضي، للوقوف خلف كل دول منطقة اليورو، التي تعاني مشكلات مالية، ودعم تماسك واستمرار منطقة اليورو. الاتفاق تضمن تعزيز مؤسسة الاستقرار الأوروبي، لكن تنفيذ ذلك القرار يتطلب مصادقة 17 برلمانا أوروبيا على هذا القرار، والمفترض أن تتم في تشرين الأول (أكتوبر). التأخر في تنفيذ ذلك، سيزيد من قلق المستثمرين، وسيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في الأسواق التي ستزيد من معاناة دول الأزمة، خصوصاً اليونان. الوقت حاسم هنا، وقد يقول السياسيون ما يريدون، لكن المستثمرين والأسواق يريدون أن يروا إجراءات عملية وجريئة وذات مصداقية لحل الأزمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي