اليوم الوطني وثقافة البناء

لم أرغب في المبادرة بالكتابة عن اليوم الوطني قبل المناسبة أو أثناءها وذلك بهدف ألا تتحول هذه المناسبة إلى مناسبة وتينية بل تعمدت أن يكون ما أكتبه مبنياً على حقائق، ووقائع مستقاة من الميدان، وذلك بالمشاهدة، والملاحظة، والسماع، ومن خلال ما يضفيه عقلي من تحليل، وما يصاحب ذلك من مشاعر وأحاسيس أجدها في ذاتي، وأنا أشاهد بعض التصرفات. وقبل عرض بعض المشاهدات لا بد من التأكيد على أن اليوم الوطني إضافة إلى قيمته التاريخية التي تدرس في المدارس، والجامعات، وتتناولها البحوث، والدراسات، والكتب لا بد أن تبرز هذه المناسبة في الواقع، ومن خلال المكتسبات التي تحققت للوطن عموماً، وللمواطن أينما كان.
في كل عام وقبل المناسبة بأيام إن لم يكن أسابيع تبدأ الكتابات حولها، وهذا شيء جميل لكن الأجمل أن يكون فيما نكتبه إضافة، وقيمة تدفع إلى الأمام، وتحافظ على ما تحقق من إنجازات، وفي كافة المجالات، والأصعدة. التعبير عن المشاعر في هذه المناسبة كما لمسته في الشوارع، والميادين يتمثل في رفع الأعلام، وفي الألعاب النارية كتعبير عن الفرح بهذه المناسبة، ولكن يصاحب المناسبة بعض السلوكيات، والتصرفات التي قد تصل إلى الظواهر لكثرة مشاهدتها، فالسرعة في قيادة السيارة، والتفحيط ما علاقتها بهذه المناسبة، وكيف يمكن اعتبارها تعبيراً عن الفرح والسرور خاصة إذا علمنا أن هذا السلوك قد يترتب عليه لا سمح الله كارثة على صاحبها، أو من صادف مسيره بجنبه، أو بالقرب منه؟! ومن الشواهد تعمد بعض الشباب بل، والأطفال الظهور من نوافذ السيارة، والتمايل، والسيارة في حالة سير إضافة إلى وقوف بعض السيارات في الشوارع، وتعطيل السير، وفي هذا الكثير من الأضرار إذ قد يكون في الشوارع شخص بحاجة للذهاب للمستشفى، أو المطار، أو أي مكان فهل نقبل أن تكون هذه الممارسات في اليوم الوطني؟!
الوطن عزيز على الجميع، والمناسبة كذلك، ولكن لا يكون التعبير في هذه المناسبة من خلال تصرفات غير حضارية، ومضرة في ذات الوقت. من المشاهدات التي لا تتناسب بأي حال من الأحوال لا في الأيام العادية، ولا في غيرها، وبالأخص في هذه المناسبة شاب يسير بسيارته على الجزيرة الوسطية المزروعة لأنه يوجد زحام في شارع العزيزة في الخبر. هل فكر هذا الشاب بما سيحدثه من دمار للزراعة، وفي أنابيب الري، ومن أضرار أخرى ربما بأسلاك الإنارة، والبلاط، وهل فكر هذا الشاب في الإساءة التي أحدثها للوطن، وللمنجزات التي لا بد لكل فرد من المحافظة عليها؟!
تساؤلات طرحتها على نفسي، وأنا أشاهد هذا المنظر، وتمنيت أني لم أره. من الملاحظات التي سمعتها أن نظام ساهر قد أوقف في اليوم الوطني، وعندما سألت عن ذكر هذا الشيء ذكر لي أن السبب يعود لإعطاء الشباب مزيداً من الحرية في التصرف. أرجو أن يكون ما سمعته غير صحيح لكن على احتمال ضعيف بصحته هل نجعل المناسبة مناسبة للفوضى، ومخالفة الأنظمة، أم أن المناسبة مناسبة جد، والتزام بما يحفظ النظام، ويحافظ على المنجزات؟!
كثير من الدول تمر عليها مناسبات كتلك التي تمر علينا، وتمثل مناسباتهم مناسبات غالية عليهم، كما هي مناسباتنا بالنسبة لنا، لكن التصرفات غير المحدودة يعاقب عليها النظام مثل أي تصرف سواء وقع خلال المناسبة، أو خارج وقتها. ذكر لي الدكتور وولف الأستاذ الجامعي في جامعة كولومبيا في نيويورك ذات يوم حينما كنت في زيارة للجامعة أنه خلال اليوم الوطني لأمريكا، والذي يصادف الرابع من تموز (يوليو) كل سنة أن حضر الاحتفال في إحدى الحدائق العامة تلك السنة التي كانت فيها هناك مائتان وخمسون ألفا من سكان نيويورك، وزوارها، ومع ما يصاحب مناسباتهم من صخب، وخمور إلا أن الشرطة لم تقبض إلا على ثلاثة أشخاص تصرفوا بما يخالف النظام، ويسيء للمناسبة، وذلك لما أحدثوه من فوضى نظراً لحالة السكر الشديد التي كانوا عليها، ولو قارنا هذا العدد بما يمكن أن يقبض عليه في مناسباتنا لوجدنا البون شاسعاً.
في اعتقادي أن مناسبة اليوم الوطني يفترض أن تكون فرصة للمراجعة من قبل الوطن بشكل عام، ومن قبل كل فرد مسؤولاً كان أو خلاف ذلك. فرصة لنسأل كيف نحافظ على وحدة الوطن؟ وكيف نحافظ على المنجزات؟ وما الأشياء الواجب إنجازها، وتأخرنا في إنجازها؟ وكيف ننجزها، وبأفضل صورة تخدمنا، وتخدم الأجيال اللاحقة. أبناء الوطن من أعلى مسؤول، وحتى أصغر المسؤولين بحاجة إلى معرفة، وتحديد، وتشخيص جوانب القوة حتى نحافظ عليها، وجوانب القصور حتى نتخلص منها. هذه المناسبة بحاجة إلى إعادة بناء الثقافة المرتبطة بها. إضافة إلى رفع الأعلام، والمرح، والرقصات الوطنية نحتاج إلى تفعيل، وبناء الانضباط الذاتي، نحتاج إلى الثقافة التي ترتفع بالفرد إلى مستوى الشعور بالمسؤولية تجاه وطنه حتى، ولو لم يكن ذا مسؤولية رسمية، فهل تتمكن مدارسنا، وجامعاتنا، ووسائل إعلامنا، وكافة منابرنا الثقافية من أن توجد المواقف، والظروف، والمناخ الذي ينتج مثل هذه الثقافة؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي