رفاهية المواطن بين الناتج المحلي والتنمية البشرية

الدخل، الرفاهية، النمو الاقتصادي، الموارد الاقتصادية، والدخل الوطني، جميعها مؤشرات اقتصادية ترتبط بشكل أو بآخر بثلاثة مفاهيم رئيسة، ''الناتج المحلي الإجمالي''، ''إجمالي عدد السكان'''، و''نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي''.
يعرّف المفهوم الأول، ''الناتج المحلي الإجمالي''، على أنه ''قيمة المنتجات والخدمات المنتجة داخل الاقتصاد المحلي''. ويعرّف المفهوم الثاني، ''إجمالي عدد السكان'' على أنه ''جميع الأفراد المقيمين داخل الاقتصاد المحلي وقت إجراء مسح سكاني''. ويعرّف المفهوم الثالث، ''نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي'' على أنه ''ناتج قسمة ''الناتج المحلي الإجمالي'' إلى ''إجمالي عدد السكان''.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى هذه المفاهيم الثلاثة من واقع إحصاءات الاقتصاد السعودي. تشير تقارير مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في عام 1971 بلغ 30.497 مليون ريال سعودي. تطور هذا الرقم طوال الـ 40 عاماً الماضية بنسب متفاوتة عاكساً بذلك مستوى نمو الاقتصاد السعودي خلال أربعة عقود.
فبلغ أعلى نسبة نمو أعوام 1973، 1980، و1974 بتسجيله معدل نمو سنوي قارب الـ 198 في المائة، 80 في المائة، و40 في المائة، على التوالي. وواجه أشد تحدياته عندما سجل أعلى نسبة تراجع سنوي أعوام 2009، 1982، و1983 بتسجيله لمعدل تراجع سنوي قارب الـ 21 في المائة، 16 في المائة، و15 في المائة، على التوالي.
تزامنت تطورات الناتج المحلي الإجمالي طوال العقود الأربعة الماضية مع تطورات في عدد سكان المملكة. تشير تقارير مصلحة الإحصاءات العامة إلى أن إجمالي سكان المملكة عام 1971 بلغ قرابة ستة ملايين نسمة. تطور هذا الرقم طوال الـ 40 عاماً الماضية بنسب متفاوتة عاكساً بذلك معدلات الخصوبة والنمو السكاني خلال أربعة عقود.
فبلغ أعلى نسبة نمو أعوام 2010، 1974، و1992 بتسجيله لمعدل نمو سنوي قارب 7 في المائة، 6.5 في المائة، و6 في المائة، على التوالي. وواجه معدل النمو السكاني حالات تواضع عندما سجل أقل نسبة نمو سنوي أعوام 1993، 1999، و2009 بتسجيله لمعدل نمو سنوي قارب 1.96 في المائة، 2 في المائة، و2.27 في المائة، على التوالي.
نخرج من كلا المفهومين أعلاه إلى حساب متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. تشير تقارير مؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عام 1971 بلغ 5.083 ريالا سعوديا. تطور هذا الرقم طوال الـ 40 عاماً الماضية بنسب متفاوتة عاكساً بذلك مستوى نمو الاقتصاد السعودي وإجمالي عدد السكان خلال أربعة عقود. فبلغ أعلى نسبة نمو أعوام 1974، 1980، و1973 بتسجيله معدل نمو سنوي قارب الـ 180 في المائة، 39 في المائة، و34 في المائة، على التوالي. وواجه متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أشد تحدياته عندما سجل أعلى نسبة تراجع سنوي أعوام 2009، 1982، و1983 بتسجيله لمعدل تراجع سنوي قارب 23 في المائة، 20 في المائة، و19 في المائة، على التوالي.
وعلى الرغم من هذه التذبذبات في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، وإجمالي سكان المملكة، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي طوال العقود الأربعة الماضية، إلا أنه من الممكن الخروج بأربع ملاحظات. الملاحظة الأولى أن إجمالي الناتج المحلي سجل معدل نمو سنوي قارب 14 في المائة خلال الفترة 1971-2010. والملاحظة الثانية أن إجمالي سكان المملكة سلك اتجاها تنازليا سجل خلال الفترة 1971-2010 معدل نمو سنوي قارب 4 في المائة. والملاحظة الثالثة أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سجل خلال الفترة ذاتها معدل نمو سنوي قارب الـ 9.45 في المائة. والملاحظة الرابعة أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كان يشكل 0.000017 في المائة في 1971 من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 0.000004 في المائة 2010.
تقودنا هذه الملاحظات نحو النظر في ما صدر عن صندوق النقد الدولي مطلع الأسبوع الحالي من توقعات نمو هذه المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد السعودي بنهاية العام الجاري. حيث توقع تقرير الصندوق أن ينمو متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عن العام الماضي بنسبة 27.6 في المائة ليصل إلى 81.2 ألف ريال سعودي. عزيت أسباب النمو هذا إلى تحسّن أسعار النفط وارتفاع كمية إنتاجه خلال النصف الأول من العام الجاري وانعكاسات هذا التحسن على توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتلامس 2170 مليون ريال سعودي نهاية العام الجاري.
وعلى الرغم من هذه النظرة التفاؤلية إلا أن مجموعة من الاقتصاديين لديهم تحفظات على الآليات المتبعة لقياس الناتج المحلي الإجمالي وما يقتبس منه من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومدى كفاءة آليات القياس هذه في إعطاء صورة أكثر واقعية عن النمو الاقتصادي. من أهم هذه التحفظات أن آليات قياس الناتج المحلي تفترض أن الأفراد في الاقتصاد المحلي الواحد يتمتعون بمستوى دخل متساو، وأن آليات قياس الناتج المحلي الإجمالي لا تراعي استدامة عوامل النمو الاقتصادي. أدت هذه التحفظات وغيرها إلى توصية مجموعة من الاقتصاديين باستخدام مؤشرات إضافية مع مؤشر الناتج المحلي الإجمالي لإعطاء صورة أكثر واقعية عن توقعات النمو الاقتصادي. من هذه المؤشرات الإضافية مؤشر التنمية البشرية الصادر من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
يتميز مؤشر التنمية البشرية بأنه يدمج متوسط ثلاثة مؤشرات تنموية معروفة بطريقة مميزة تتيح قراءة نتائجها من منظور التنمية البشرية بشكل أكثر عملية. هذه المؤشرات الثلاثة هي متوسط حياة الفرد، ومستوى إدراكه، بفرعيه الوعي والمعرفة، ونصيبه من الناتج المحلي الإجمالي. يتميز المؤشر الأول ببعده الصحي كونه يهتم بقياس نصيب الفرد من الرعاية الصحية في اقتصاده المحلي منذ ولادته حتى وفاته. ويتميز المؤشر الثاني ببعده التربوي والتعليمي. ففرعه الأول، الوعي، ذو بعد تربوي كونه يهتم بقياس مستوى ثقافة الفرد ووعيه من الرعاية التربوية في اقتصاده المحلي منذ سن الطفولة حتى سن الرشد. وفرعه الثاني المعرفة، ذو بعد تعليمي كونه يهتم بقياس نصيب الفرد من الرعاية التعليمية في اقتصاده المحلي خلال مرحلتي التعليم العام والجامعي. ويتميز المؤشر الثالث، نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ببعده الاقتصادي كونه يهتم بقياس متوسط نصيب الفرد في اقتصاده المحلي من إجمالي ما ينتجه هذا الاقتصاد من سلع وخدمات استهلاكية.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى واقع مؤشر التنمية البشرية السعودية نهاية العام الماضي. حيث سجل مؤشر متوسط حياة الفرد مستوى 72.4 في المائة، وفي الترتيب 74 من أصل 179 دولة، وبعد كولومبيا وقبل جامايكا. وسجل مؤشر مستوى إدراك الفرد مستوى 84.3 في المائة، وفي الترتيب 78 من أصل 179 دولة، وبعد الجابون وقبل إيران. وسجل مؤشر المعرفة مستوى 76 في المائة، وفي الترتيب 80 من أصل 179 دولة، وبعد تونس وقبل هندوراس. وحصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الترتيب 35 من أصل 179 دولة، وبعد كوريا الجنوبية وقبل جمهورية التشيك. وبشكل مجمل، حصلت التنمية البشرية السعودية على نسبة 84 في المائة في مؤشر التنمية البشرية، وفي الترتيب 55 من أصل 179 دولة، وبعد جزر السيشيل وقبل بلغاريا.
نخلص مما سبق إلى أنه على الرغم مما تحمله معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي من مؤشرات حول نمو الاقتصاد السعودي، إلا أن النظر في آليات قياس الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم ربطها بمؤشرات النمو الأخرى للوصول إلى خلاصة موضوعية عن واقع اليوم وآفاق الغد من الأهمية بمكان كونه يعطي صورة أكثر واقعية عن توقعات نمو الاقتصاد السعودي. صورة أكثر واقعية تقودنا إلى أهمية التأكيد على تنمية الفرد السعودي من جميع الجوانب الاقتصادية، والتعليمية، والتربوية، والصحية بما يؤدي إلى تطويره تطويراً شاملاً يستطيع من خلاله استثمار جميع الفرص التنموية المقبلة نحو بلوغ آفاق الغد وتطلعاته، بعون الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي