مختص: حدوث أزمات مالية في النظام الاقتصادي الإسلامي أمر وارد
طرحت الأزمة المالية العالمية وأزمة المشتقات المالية والرهن العقاري، وأزمة الدين الأمريكي، أهمية الدور الذي يمكن أن تسهم من خلاله صناعة المصرفية الإسلامية في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، ومدى حاجة العالم إلى نظام يتلافى أخطاء النظام الاقتصادي القائم، وحول الدور الذي يمكن أن يقوم به الاقتصاد الإسلامي في منع وقوع الأزمات المالية والتقليل من حدتها، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الكيفية التي تسهم بها أسس الاقتصاد الإسلامي في منع الأزمات المالية؟ وهل تمكن خبراء الاقتصاد الإسلامي من تقديمه كنموذج عملي صالح للتطبيق لحل المشكلات الاقتصادية القائمة؟
في هذا الصدد، أكد مختص في المصرفية الإسلامية، أن نمو حجم المصرفية الإسلامية لا يمكن أن يكون في حد ذاته عاملا مؤهلا للاقتصاد الإسلامي كي يكون نظاما مستقلا دون الحاجة إلى عوامل أخرى تساعده على ذلك، وأضاف أنه من خلال قراءة التاريخ الإسلامي فإن حدوث الأزمات المالية في النظام الاقتصادي الإسلامي وارد، لكن ميزة هذا النظام في منع استمرار هذه الأزمات وانتقالها إلى قطاعات اقتصادية أخرى، وذلك بمنع التعامل بالربا ومنع بيع الديون وتحريم المقامرة والغرر والحث على إنظار المعسر وغيرها.
وقال الدكتور صلاح الشلهوب، مدير مركز التميز للدراسات والتمويل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن: إن ضوابط الاقتصاد الإسلامي لمنع نشوء الأزمات المالية في حاجة إلى وضعها في قوالب تتفق مع الممارسات الاقتصادية القائمة في كل دولة، سواء كان ذلك في البلدان الغربية أم الإسلامية، وأضاف: إن الاقتصاد الإسلامي جاء بوضع العديد من المبادئ الاقتصادية المستندة إلى تعاليم الشريعة الإسلامية، التي في حاجة إلى صياغتها بحيث تتوافق مع طبيعة المعاملات المالية المستجدة، والتي قد تسهل تعاطي البلدان الإسلامية والغربية معها.
#2#
وحول نمو حجم المصرفية الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية ودوره في تمكين الاقتصاد الإسلامي للاعتماد عليه كنظام مؤهل لإدارة الاقتصاد، قال الشلهوب: إن هذا قد يكون عاملا مساعدا، لكن لا يمكن أن يكون حجم النمو في حد ذاته مؤهلا لأن يكون الاقتصاد الإسلامي مستقلا وأن يمارس دون الاعتماد على الأنظمة القائمة، والسبب في ذلك الحاجة إلى وجود عوامل أخرى تساعد الاقتصاد الإسلامي على أن يكون نظاما مستقلا، منها وجود تشريعات على مستوى البنوك المركزية والمنظمات الدولية والمؤسسات الدولية على الأقل تتفهم طبيعة هذا النظام واحتياجاته، وكذلك الحاجة إلى بذل تفعيل جهود في إيجاد الأنظمة التشريعية التي تترجم المبادئ والأحكام الشرعية فيما يتعلق بالمعاملات المالية إلى مواد تتناسب مع طبيعة التعاملات المعاصرة، الذي يمكن أن يوصف بحوكمة عمل المؤسسات المالية الإسلامية، إضافة إلى الحاجة إلى بناء الخبرات البشرية في هذا المجال القادرة على التطوير والابتكار لأدوات الاقتصاد الإسلامي وتحويلها إلى أدوات ذات كفاءة عالية. ودون هذه العوامل مجتمعة لا يمكننا القول إن زيادة حجم الأصول في حد ذاته يمكن أن يؤسس نظاما ماليا إسلاميا مستقلا.
وأضاف الشلهوب: إن استقلالية النظام الاقتصادي الإسلامي لا يعني بالضرورة عدم الاستفادة من الأنظمة الأخرى، فالأصل في نظرة الإسلام لتعاملات الناس أنها مبنية على الإباحة والاستفادة من التطور البشري والموروث الحضاري في هذا المجال، في إطار مجموعة من القواعد والضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية بغرض تحقيق العدالة وحفظ الحقوق.
وفي ظل ضوابط النظام الاقتصادي الإسلامي هل يبقى نظريا إمكانية حدوث أزمات اقتصادية؟.. قال الشلهوب: إن حدوث الأزمات المالية في النظام الاقتصادي الإسلامي وارد، فمن خلال قراءة التاريخ الإسلامي نجد أنه سبق حصول بعض الأزمات المالية في البلاد الإسلامية، وتطبيق هذا النظام لا يعني القطع بعدم إمكانية وجود أزمات مالية، لكن ميزة هذا النظام تكمن في منعه استمرار هذه الأزمات وتسلسلها وانتقالها إلى قطاعات اقتصادية أخرى، حيث إن بعض الأنظمة الاقتصادية الأخرى تشهد خللا في بنية نظامها الاقتصادي الذي ترتب عليه وجود نوع من الأزمات التي يؤثر بعضها في بعض، وبالتالي تتسلسل وتستمر مدة طويلة، فمثلا التعامل بالربا يؤدي إلى تراكم الديون بشكل مستمر ومتواصل، وبالتالي يتسبب في تسلسل هذا التراكم إلى قطاعات أخرى ليست جزءا من الأزمة، وهذا ما حدث في أزمة الرهن العقاري التي أصابت قطاعات عدة أخرى مالية وصناعية.
وعن كيفية مساهمة الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي وضوابط المصرفية الإسلامية في منع الأزمات المالية والتقليل من حدتها، أكد الشلهوب أن هناك ضوابط شرعية عدة تسهم في الحد من هذه الأزمات، فمثلا منع التعامل بالربا يمنع من تراكم الفائدة، وكذلك منع بيع الديون الذي يكون سببا في عملية تراكم الديون إلى مستوى يؤثر في القطاعات الاقتصادية الأخرى، وكذلك الحث على إنظار المعسر يسهم في الحد من أزمة تراكم الدين ويعطي فرصة للقطاعات التي تشهد بطئا أو أزمة أن تتنفس الصعداء وتعاود النشاط مرة أخرى، وكذلك تحريم المقامرة والغرر يسهم في الحد من المعاملات التي تحدث التلاعب في الأسواق، وتقود إلى التركيز في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية. كما أن الاقتصاد الإسلامي يركز على القطاع الاقتصادي الحقيقي كالصناعي والزراعي، بدلا من المبالغة في التركيز على القطاع المالي؛ لأن أساس العملية الاستثمارية ينبغي أن تكون في القطاعات الاقتصادية الحقيقية.
وحول السوق المالية الإسلامية المشتركة ودورها في منع حدوث الأزمات المالية، قال الشلهوب: إن إنشاء سوق مالية إسلامية مشتركة يزيد من فرص إمكانية تطبيق التمويل الإسلامي بشكل أكثرا توافقا مع الشريعة، ويسهل ضبط المعاملات المالية والتزامها بقواعد الشريعة الإسلامية، وهذا لا يوجد في الأسواق المالية الأخرى، حيث لا تضع في اعتبارها الالتزام بالضوابط الشرعية، كما أن وجود السوق الإسلامية يساعد على تكامل عمليات التمويل والاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية بحيث تتكون منظومة متكاملة لبرامج ومنتجات المؤسسات المالية الإسلامية، وبما أن التمويل الإسلامي يعتمد عادة على السلع فإن وجود سوق إسلامية يسهم في وجود أكثر للمنتجات، خصوصا تلك التي ليس لها وجود حاليا، حيث ستكون لها سوق مالية تنشط من خلالها عمليات تداولها، فمثلا لدينا بعض السلع كالتمور ليس لها سوق لتحديد الأسعار، سوق مالية يمكن عرضها وتقييمها من خلالها. كذلك الزيادة في التدفقات المالية التي أصبحت تتزايد في قطاع التمويل الإسلامي وهذه قد لا تستوعبها بعض الفرص التي تتيحها بعض الأسواق العالمية.
وبعد ثلاثة أعوام من نشوء الأزمة المالية العالمية يتزايد الحديث عن النموذج البديل للنظام الاقتصادي القائم وهل استطاع خبراء الاقتصاد الإسلامي من تقديمه كنموذج صالح وإطار عام قابل للتنفيذ لحل المشكلة الاقتصادية القائمة؟ أجاب الشلهوب: إنه بعد نشوء الأزمة المالية وانفتاح العالم أكثر على الاقتصاد الإسلامي لا يوجد - مع الأسف - حتى الآن دراسات لإيجاد نموذج تطبيقي للاقتصاد الإسلامي، وهذه مسؤولية مشتركة بين العلماء والخبراء، وكذلك بين البنوك التجارية والمركزية التي يقع على عواتقها أهمية العمل لإيجاد صياغة لهذا النظام ممكن التطبيق، ويتفاعل ويتطور مع المتغيرات والمستجدات. وهناك مشكلة قائمة اليوم تكمن في وجود تفاوت في النظرة للاقتصاد الإسلامي بين بعض الخبراء، حيث يفترض أن يكون لمن يؤمن بإمكانية قيام هذا النظام حد مشترك من الاتفاق يتم البدء به لإيجاد نموذج يعتمد الأصالة في الطرح والمعاصرة في التطبيق، كما أنه من المهم وجود تنسيق مع المنظمات الدولية للمساهمة في أن تكون الأنظمة العالمية تتواءم مع النظام الاقتصادي والمالي الإسلامي.
يضاف إلى ذلك أنه لا بد أن يكون هناك نوع من التركيز على مجال الدراسات والأبحاث، ووجود نوع من التجمع للخبراء والعلماء وأصحاب الفكر الاقتصادي الإسلامي لطرح مبادرات وأفكار لإنشاء هذا النموذج، وهناك مبادرات موجودة، لكنها في حاجة إلى المزيد من الاهتمام والدعم.