المصرفية الإيجابية!
قبل فترة، اتصل بي أحد الرؤساء التنفيذيين لإحدى الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية لزيارته في مكتبه؛ بهدف التعارف وتقديم شرح تفصيلي عن مفهوم "المصرفية الإيجابية" (بحسب وصفه هو). في الحقيقة، تعجبت من ذلك بحكم أنني تركت العمل المصرفي منذ أكثر من خمسة أعوام، لكن رغبةً مني في التعرف على هذا المفهوم الغريب كليا على المجتمع المصرفي في المملكة (بل وعلى المجتمع المصرفي في جميع دول العالم) استمعت للشرح التفصيلي كاملا حتى نهايته ولا أبالغ في القول من أنني انبهرت مما شاهدت ومما سمعت.
باختصار شديد، يقوم مفهوم "المصرفية الإيجابية" على الالتزام المسبق لشركة (قد تكون تجارية أو صناعية أو خدمية) بالاحتفاظ وبشكل دائم لدى المصرف التجاري بودائع جارية لا تقل عن مستوى يحدده المصرف نفسه على أن تكون هذه الودائع الجارية بمثابة الضمان الكامل للمصرف في سبيل منح عملاء الشركة تمويلا مصرفيا دون فوائد. إلا أن المهم هنا أن هذا التمويل المضمون والمجاني سيكون مشروطا بشراء العملاء لمنتجات وخدمات الشركة تحت إشراف المصرف التجاري، حيث ستستفيد الشركة من زيادة مبيعاتها وسيستفيد العملاء من الحصول على تمويل مضمون ومجاني وسيستفيد المصرف من أرباح الودائع الجارية ومن انعدام المخاطر في التمويل.
لذلك، يحق لنا القول إننا أمام مفهوم حديث ومبتكر للمصرفية الإسلامية وأكثر ما أدهشني فيه أن الشخص الذي ابتكره لم يسبق له العمل مطلقا في أي مصرف تجاري في حين يملك منافسوه خبرة مصرفية لا يستهان بها. الغريب في الموضوع أنه لا يخاف من أن يعرف منافسوه هذا المفهوم ليطبقوه ويستفيدوا منه، بل هو في حقيقة الأمر يسعى جاهدا لنشر هذا المفهوم بين المجتمع التجاري والصناعي في المملكة ليستفيد منه الجميع دون استثناء ولهذا السبب هو دعاني لمكتبه، ولا أملك إلا أن أسأل الله العلي القدير أن يجزيه عنا وعن الإسلام خير الجزاء وأن يكثر من أمثاله.
بقي أن أشير إلى أن مفهوم "المصرفية الإيجابية" ليس نسجا من الخيال أو حلما صعب التطبيق، بل هو واقع ملموس ومطبق على أرض الواقع منذ أكثر من 20 عاما (نعم واقع ملموس ومطبق لأكثر من 20 عاما)، حيث إن رياض الربيعة الرئيس التنفيذي لشركة الأنابيب السعودية (صاحب الفكرة وهو المسؤول الذي دعاني لزيارته في مكتبه) يقوم بتطبيق مفهوم "المصرفية الإيجابية" مع المصارف التجارية في المملكة ومع عملاء شركته التي نمت ولا تزال تنمو بمعدلات أسرع من منافسيها حتى غدت اليوم واحدة من أهم الشركات الصناعية المدرجة في السوق المالية السعودية.