أفراد المجتمع وتعزيز قوة هيئة السياحة والآثار لتنمية اقتصاديات الترفيه

لا أعلم أين أقضي إجازة عيد الفطر يقول أحد الأصدقاء ونحن نتساءل أين نقضيها، بينما يقول آخر سأذهب للبحرين وهو متردد، في حين يقول ثالث سأذهب للكويت لأن أبنائي يستمتعون بالسينما والمسارح والمدينة الترفيهية، ويجيب رابع أرغب في السياحة في جدة أو الخبر إلا أن أسعار السكن كبيرة ولا قِبل لي بها، ولا توجد عروض ترويجية مغرية على مستوى الأفراد أو على مستوى الأسر، ولا شك أن هذا حال الكثير من المواطنين السعوديين الذين يرغبون في قضاء هذه الإجازة بأجواء ترفيهية لكسر الروتين بعيدا عن ضغوط العمل والضغوط الاجتماعية.
الدولة - رعاها الله - قررت إنشاء الهيئة العليا للسياحة لتوفير إطار عمل متقن لتوحيد وهيكلة هذه الصناعة بشكل صحيح، ولتخطيط نموها وتطورها وفق رؤية واضحة ذات أهداف محددة، وهي مهمة شاقة ومضنية وطويلة في بلد لم يكن يتصور مواطنوه أن بلادهم يمكن أن تكون بلاد جذب سياحي، حيث يشهد عوائق تنظيمية وثقافية واجتماعية عديدة وعميقة، وبالتالي فهي مهمة تستدعي جهوداً تحليلية وتخطيطية وتنظيمية كبيرة قبل الشروع في تطوير برامجها التنفيذية وآلياتها.
الهيئة العامة للسياحة والآثار برئاسة الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز عملت بمنهجية سليمة للتصدي لهذه المهمة الشاقة، حيث قامت بجهود تحليلية وتخطيطية جبارة تستند إلى دراسات علمية شاملة ومتنوعة وبشكل يكاد يكون استثنائيا للنهوض بمهمتها الأمر الذي وفر لها خطة استراتيجية بمنزلة خريطة طريق لـ 20 سنة قادمة سارت وما زالت تسير عليها وفق خطط خمسيه تشكل مراحل تنفيذ هذه الخطة، وهي خطة تأخذ في الاعتبار تعزيز السياحة الداخلية التي يتجاوز حجمها أكثر من 50 مليارا سنويا، وتعزيز السياحة من الخارج إلى الداخل، التي يتجاوز حجمها أكثر من 15 مليارا سنويا.
ورغم نجاح الهيئة العامة للسياحة في تنفيذ الكثير من البرامج الاستراتيجية التنفيذية (ابتسم، لا تترك أثرا، تمكين، سياحة الشباب، سياحة الأعمال، سياحة الصحة والاستشفاء، السياحة تثري.. إلخ)، ورغم الأثر الكبير لهذه البرامج في مجملها على التنمية السياحية في بلادنا إلا أن أفراد المجتمع (مستثمرين مستفيدين) ما زالوا في مستوى وعي منخفض تجاه السياحة وماهية وأهمية دورهم في تعزيز قوة الهيئة العامة للسياحة والآثار لتلعب دورها في تعزيز اقتصاديات الترفيه بأعلى كفاءة ممكنة لإشباع حاجات الناس الترفيهية من جهة ولتنمية الاقتصاد الوطني من ناحية ثانية، خصوصا من جهة توليد فرص استثمارية لكل أحجام الاستثمارات ووظائف عديدة ومتنوعة ذات أجور مجزية من جهة أخرى.
ما السبب الذي يقف وراء تقاعس أفراد المجتمع لتعزيز اقتصاديات الترفيه؟ أكاد أجزم أن السبب الرئيس الذي يقف وراء هذا التقاعس يعود لأسباب ثقافية حيث الموقف السلبي السائد حيال البهجة والترفيه والتمتع بمباهج الحياة رغم أن الترفيه وهو إدخالُ السرورِ على النفس والترويحُ عنها وتجديدُ نشاطِها وبعثُ حيويتها، وهو من مفاهيم ديننا الإسلامي الجميلة والمهمة لأهميته في كسر وتيرة الحياة وجمود النظام البيتيّ للأطفال والشباب لتهيئتهم لاستقبال الحياة بتحدياتها ولجعل نفوسهم أكثر إيجابية ونظرتهم للحياة أكثر تفاؤلاً والتعبير عن مواهبهم وقدراتهم الشخصية، والمهم للكبار للراحة والاستجمام والتنفيس من ضغوط الحياة والعمل.
أيضا يعتقد بعض أفراد المجتمع أن السياحة مرتبطة بالمحرمات ما يجعلهم يبتعدون عن كل استثمار أو نشاط سياحي خوفا من الوقوع في المحرمات، كما أن فئة من الشباب ونتيجة لترسخ هذا المفهوم لا يرون في المملكة مكانا سياحيا لمنعها أي أنشطة سياحية مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، أيضا مفهوم السياحة لدى بعض أفراد المجتمع مفهوم ضيق حيث الارتباط بالسكن بالفنادق والشقق المفروشة والتفسح بالمتنزهات والأسواق والملاهي الليلية والانطلاق في ممارسة كل ماهو ممنوع دون التنبه للسياحة الدينية التي تتمتع بلادنا بمقوماتها، ولسياحة الآثار، وسياحة الاستشفاء وزيارة المواقع التاريخية التي تغص بها بلادنا، إضافة إلى سياحة التنزه في الأماكن الباردة صيفا وفق الضوابط الشرعية، التي يسعى إليها الكثير من الأسر العربية المحافظة.
يقول أحد الأصدقاء إن البعض من مسؤولي هيئة السياحة والآثار يقضي إجازته السنوية خارج البلاد، وبالتالي فهو غير مقتنع بالسياحة الداخلية، وقلت له معظمنا يقضي كل أو بعض إجازته السنوية خارج البلاد، ولا بأس في ذلك، لكننا نحتاج إلى السياحة الداخلية لأكثر من 11 شهرا سنويا على الأقل هي فترة وجودنا داخل البلاد، كذلك يجب أن نعرف أن تنشيط السياحة الداخلية لا يأتي بهدف القضاء على السياحة الخارجية أو منعها، فالسفر للخارج مطلوب ومهم أيضا للتثاقف والترفيه والتبادل المعرفي، لكن تنشيط السياحة الداخلية بهدف توفير مواقع سياحية لمن هم داخل البلاد ومنهم من يذهب لفترة محددة للسياحة خارج البلاد، كذلك بهدف جذب السياح من خارج البلاد، ولله الحمد والمنة، بلادنا يمكن أن تحقق دخلا كبيرا من السياحة متى ما اكتملت منظومة الجذب السياحي المعيارية وفق الممارسات العالمية.
أعتقد أن برنامج ''السياحة تثري'' الذي يهدف إلى توعية المجتمعات المحلية بالآثار الإيجابية لصناعة السياحة، وتمكينها من استثمار مقوماتها السياحية المتاحة وترغيبها في الاستثمار فيها، وبرنامج ''ابتسم''، الذي يهدف إلى غرس ثقافة العمل السياحي لدى النشء، بما يسهم في توطين ثقافة العمل في قطاع السياحة لديه وتشجيع مبدأ احترام وفهم وقبول الآخر، سيكون لهما الأثر الكبير في إعادة تشكيل الوعي المجتمعي حيال السياحة وتنميتها والاستفادة المثلى من فرصها، وبكل تأكيد فإن تكثيف الهيئة جهودها في تطبيق هذين البرنامجين وطرح مؤشرات مرجعية عامة موضحة مدى التقدم في تحقيق أهدافهما ومحفزة لأفراد المجتمع لدعم التقدم سيعجل بتحقيق أهدافهما على أكمل وجه للوصول لتنمية متسارعة لاقتصاديات الترفيه في بلادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي