3 مؤثرات في دعم ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات السعودية (8)
تتصف المسؤولية الاجتماعية للشركات بعدد من الصفات أهمها المشاركة الاجتماعية، وهي المساهمة في خلق تنمية مستدامة للمجتمع المحيط، بما يعود بالنفع على المجتمع وعلى الشركة نفسها. فالمجتمع ومكوناته هم المغذي للشركة حاليا ومستقبلا، من خلال الاستفادة من منتجات وخدمات الشركة كعملاء حاليين ومستقبليين، توفير الأيدي العاملة والمؤهلة لخدمة الشركة، تحقيق التكامل بين عناصر المجتمع من قطاعات منتجة ومستهلكة. عدد من الدراسات الأكاديمية توصلت إلى وجود علاقة إيجابية بين مستوى مساهمة الشركة في المجتمع ونسبة الربحية للشركة، وعدد من الدراسات أكدت العلاقة الإيجابية بين مستوى المساهمة المجتمعية للشركة والاسم التجاري ''السمعة'' بما يحقق الولاء لمنتجات الشركة.
مع وجود عدد لا بأس به من الشركات المساهمة في المجتمع السعودي، نجد أن ثقافة المسؤولية الاجتماعية ما زالت دون نظيراتها في العديد من الدول المتقدمة، والأسباب هنا عديدة لعل من أهمها أن شركاتنا وإن كانت شركات مساهمة عامة إلا أنها ما زالت تحت سيطرة فكر الشركات العائلية والشركات الشخصية، إضافة إلى اهتمام بعض قياديي هذه الشركات بتقديم الأعمال الخيرية والزكوات كبديل لمفهوم المشاركة المجتمعية، وهذا لو تحقق فعلا لرأينا مردوده الإيجابي على مختلف طبقات المجتمع.
في هذا المقال سأتحدث عن ثلاثة عوامل ذات أثر محفز أو مثبط لنمو فكر وثقافة المسؤولية الاجتماعية للشركات، قسمتها إلى عوامل داخلية، وعوامل خارجية، وعوامل قانونية ''مستقلة''.
العوامل الداخلية مقصود منها تأثير مجالس إدارة الشركات والإدارات التنفيذية في سياسة المساهمة الاجتماعية في شركاتهم، ما لا شك فيه أن مصطلح المسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility يعد حديثا في مجتمعنا، مع أن ممارسته قد سبقت بروزه بعقود، فما الذي يمنع قياديي الشركات المحلية من تبنى ثقافة المسؤولية الاجتماعية؟
قد تكون نسب التملك، عوامل الاختيار والتعيين، الحرص على مأسسة نشاطات وتوجهات الشركات، غياب ثقافة المشاركة المجتمعية وتأثيرها في التنمية المستدامة للوطن، كل هذه وغيرها أسباب قد تؤثر في قرارات الشركات لتبني استراتيجيات تدعم تطبيقات المسؤولية الاجتماعية، فيبرز استفسار آخر من المسؤول عن بناء ثقافة المشاركة المجتمعية لدى قيادي الشركات الأهلية؟ لتبقى الإجابة حائرة بين أجهزة الدولة الرسمية، الشركات ومسؤوليها، والجامعات ومراكز البحث والتطوير.
العوامل الخارجية، ويقصد بها التأثير القادم من خارج الشركات، الذي يعد استجابة لمتطلبات وحاجات المجتمع، كما ذكرناه في مقالات سابقة والمعروف بمصطلح Corporate Social responsiveness . والمقصود هنا تأثير مؤسسات المجتمع المدني وأفرادها في استدرار اهتمام الشركات بالمجتمع والبيئة المحيطة. ولا أجد أمامي هنا إلا جمعية واحدة هي جمعية حماية حقوق المستهلك، بحكم أنها قد تكون الممثل الوحيد للمستهلك المحلي. وإن كنا نأمل أن نرى مستقبلا جمعيات أهلية تتبنى مصالح المجتمع في مقابل تزايد نشاطات الشركات وإهمالها تنمية المجتمع. الخيار الثاني وجود جهاز مشابه للغرف التجارية ويعمل كجهاز ظل للغرف التجارية، لكن أهدافه ليست لخدمة التجار، لكن لخدمة المجتمع. وهذا الجهاز قد يسهم كثيرا في تأسيس ثقافة المسؤولية الاجتماعية للشركات، والمساهمة في خلق وتوجيه الخطط الاستراتيجية ومتابعة تنفيذها نيابة عن الشركات بما يحقق التنمية المستدامة لكل منطقة.
العوامل التشريعية والقانونية، وعادة ما تكون هي آخر الحلول امتثالا لقول ''آخر العلاج الكي''. فإلقاء العبء على الحكومة في كل شيء فيه كثير من الإجحاف، في حين أن الشركات تحقق أرباحا فلكية لا يعاد استثمارها بالشكل الكامل في البلد، فالجهة التشريعية في يدها أن تسن الأنظمة والقوانين التي تحمي المجتمع من التأثير السلبي للشركات، من خلال فرض الأنظمة الضريبية التي يعاد صرف عوائدها في تنمية المجتمع واستقراره، كما أن في يد هذه الأجهزة أن تطلق برامج التحفيز الملائمة للشركات المساهمة في تنمية المجتمع من خلال منح الامتيازات والإعفاءات الملائمة في مقابل ما تقدمه هذه الشركات في تنمية المجتمع.
ختاما .. لا يزال الوقت مبكرا للحكم على مستوى المسؤولية الاجتماعية للشركات، فشركاتنا والقائمون عليها فيهم من المعروف الشيء الكثير، وهم مبادرون لتبنى كل ما يسهم في نفع مجتمعاتهم. ويبقى دور المجتمع ووعي المستهلك أمرا مطلوبا في هذا الوقت للتمييز بين الشركات والمنتجات وفقا لمدى مساهمتها في تنمية المجتمع، وحتى يظل التدخل الرسمي بعيدا عن العلاقة الاقتصادية الحرة بين التاجر والمستهلك.
وكل عام وأنتم بخير .. وعيدكم مبارك.