رؤيتنا الصناعية تتطلب تحوير الغرف التجارية الصناعية

بدأ اهتمام المملكة بالصناعة منذ مطلع الستينيات الميلادية من القرن الماضي عندما عهد إلى وزارة التجارة وضع الخطط الكفيلة بتشجيع الصناعة السعودية، والارتقاء بها، والتنسيق والإشراف على البرامج الصناعية الطموحة.
وعلى الرغم من هذا الاهتمام إلا أن قطاع الصناعة تميز عن غيره من القطاعات الإنتاجية بمروره بحزمة كبيرة من عمليات إعادة الهيكلة طوال 60 عاما الماضية أكسبته الخبرة والمرونة اللازمتين للتعامل مع تقاسم الموارد والتركيز مع أنشطة التجارة والكهرباء خلال الفترة الزمنية السابقة.
يعود تاريخ تنظيم الصناعة في المملكة إلى مطلع الستينيات الميلادية من القرن الماضي عندما دمجت أنشطة إدارتي الصناعة والكهرباء في وزارة التجارة في ''إدارة'' واحدة في 1962، ثم ''إدارة عامة'' في 1965، فـ ''مديرية'' في 1966، فـ ''قطاع'' في 1968، ثم ''وكالة'' في 1974.
أسهم نشاط الصناعة منذ نشأة تنظيمه مطلع الستينيات الميلادية من القرن الماضي بإيجابية في نتائج في الخطة التنموية الأولى (1971 - 1975) والثانية (1976 - 1980). انعكست هذه المساهمة في فصل ''وكالة الصناعة والكهرباء'' في وزارة التجارة في ''وزارة'' مستقلة، ''وزارة الصناعة والكهرباء'' في 1975.
استمر نشاط الصناعة ملازماً لنشاط الكهرباء منذ ذلك التاريخ حتى مطلع العقد الحالي عندما أعيد نشاط الصناعة من وزارة الصناعة والكهرباء إلى وزارة التجارة وتعديل اسم وزارة التجارة إلى ''وزارة التجارة والصناعة'' في 2003.
شهد قطاع الصناعة تطوراً مهماً عندما صوَّت أعضاء مجلس الشورى لمصلحة فصل قطاع الصناعة عن التجارة في وزارة التجارة والصناعة في ''وزارة مستقلة'' باسم ''وزارة الصناعة''، وقيام وزارة التجارة والصناعة بمراجعة شاملة لأسس الحوافز التي تمنح للمصانع لتعزيز قدرتها التنافسية. وعلى الرغم من عدم وجود مستجدات منذ تاريخ التصويت حتى اليوم، إلا أن هذا التصويت يمثل مرحلة أولية نحو انبثاق وزارتين متخصصتين في الغد القريب تسهمان في تطوير كل قطاع على حدة وزيادة تكاملهما مع منظومة الاقتصاد السعودي. وعلى الرغم من طموح مشروع الفصل وسمو أبعاده، إلا أنه من الأهمية ألا يتوقف هذا المشروع عند حدود فصل الوزارة إلى وزارتين فقط، بل يتعداها إلى جهاز لازم أنشطة التجارة والصناعة منذ نشأته حتى اليوم هي الغرف التجارية الصناعية.
هذه المنظومة الحيوية التي من الأهمية إعادة النظر في تركيبتها الحالية من منتديات اقتصادية مبنية على أسس جغرافية (جدة، مكة المكرمة، المنطقة الشرقية، والرياض ... إلخ)، إلى منتديات اقتصادية مبنية على أسس مهنية (الإنشاءات، البتروكيماويات، الاستثمارات، التعدين، والخدمات المالية ... إلخ).
يتزامن مطلب إعادة النظر هذا مع تحوّر الأدوار الجوهرية التي ينتظر أن تؤديها الأنشطة التجارية والصناعية في المملكة على أصعدة الأسواق الإقليمية والدولية. أدوار طموحة تتطلب التعامل بمقتضيات الغد عوضاً عن الأمس ومقتضيات دمج قطاعي الصناعة والتجارة.
يعود تاريخ الغرف التجارية الصناعية إلى الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي عندما تأسست غرفة جدة في 1945، عقب ذلك تأسست غرفة مكة المكرمة في 1947، فغرفة المنطقة الشرقية في 1952، فغرفة الرياض في 1961. جاء تأسيس هذه الغرف انعكاسا طبيعيا لتطور الحركة التجارية والصناعية في هذه المناطق الجغرافية.
يشير تقرير وزارة الصناعة والكهرباء بعنوان ''تطور الصناعة خلال 100 عام (1319 - 1419هـ)''، إلى وجود 274 مصنعاً في السعودية بنهاية 1960، موزعة على ثلاث مناطق: الغربية (154 مصنع)، الشرقية (66 مصنعا)، والوسطى (54 مصنعا). تباينت أنواع هذه المصانع إلى قرابة 60 نوعا من الصناعات، من أكثرها ورش تصليح الآلات، ومصانع البلاط والرخام، ومصانع الثلج. تميزت هذه المصانع بتواضع أحجامها، وأعداد قواها العاملة، ومساهمتها في إجمالي الناتج المحلي.
عملت الغرف التجارية الصناعية الأربع الأولى في كل من جدة، مكة المكرمة، المنطقة الشرقية، والرياض داخل هذه المنظومة الصناعية المتواضعة ضمن مبادرات شخصية من مؤسسيها، وما يجودون به من تبرعات، لذلك كانت إمكانات التأسيس متواضعة، وتحديات النمو جساماً، ومساهمات مجموعة من رجال الأعمال في دفع رسوم الاشتراكات محدودة.
حدث خلال تلك الفترة تطوران مهمان يعدان الوقود الذي أسهم في مواجهة الغرف التجارية الصناعية تحديات تأسيسها، ومن ثم نموها لتصل إلى هيئتها الحالية الفاعلة في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة.
التطور الأول، صدور أمر ملكي كريم في بداية 1950 بإلزامية الاشتراك في الغرف على جميع الموردين والمصدرين والوسطاء والمقاولين والمصارف، وإلزام الجمارك السعودية بعدم فسح أي بضاعة مستوردة ما لم يكن صاحبها مسجلا في الغرفة ومشتركاً فيها. والتطور الثاني صدور قرار مجلس الوزراء الموقر في 1961 بإعطاء كل غرفة قطعة أرض مناسبة لإقامة بناية لها عليها تتلاءم والتطور العمراني في المملكة.
بدأ الاقتصاد السعودي مطلع هذا العقد رحلة عبور الموجة الخمسينية الثانية (2000 ـــ 2050) بعد أن عبر الموجة الخمسينية الأولى (1950 ـــ 2000) بنجاح، ومسجلا مستويات اقتصادية مرموقة ستمكنه، بعون الله تعالى، من مواصلة المسيرة بما يعود بالنمو والرخاء المستديمين على جميع مقوماته.
تحمل رحلة عبور الموجة الخمسينية الثانية هذه تحديات وآفاقا مختلفة في الكم والنوع عن تلك التي ظهرت إبان رحلة عبور الموجة الخمسينية الأولى. يعد ذلك ترجمة طبيعية لتطور دور الاقتصاد السعودي من اقتصاد ''محلي - إقليمي'' يعتمد على مورد اقتصادي وحيد في الأمس، إلى اقتصاد ''إقليمي - دولي'' يعتمد على مجموعة من الموارد الاقتصادية في الغد، بعون الله تعالى.
و لما سيشكله قطاع الأعمال خلال رحلة عبور الاقتصاد السعودي الموجة الخمسينية الثانية من دور محوري أكثر تأثيراً من دوره خلال الموجة الخمسينية الأولى، ولما يعلّق على الغرف التجارية الصناعية من دور رئيس في تنسيق العلاقة بين قطاع الأعمال وباقي مقومات الاقتصاد السعودي، من جهة، والاقتصادات الدولية، من جهة أخرى، فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على إعادة النظر في التركيبة الحالية للغرف التجارية الصناعية من منتديات اقتصادية مبنية على أسس جغرافية (جدة، مكة المكرمة، المنطقة الشرقية، الرياض ... إلخ)، إلى منتديات اقتصادية مبنية على أسس مهنية (الإنشاءات، البتروكيماويات، الاستثمارات، الخدمات المالية... إلخ).
تركز هذه الأسس المهنية الحديثة المقترحة على تحوير الغرف التجارية الصناعية إلى غرف اقتصادية نوعية تعتمد على القطاعات الإنتاجية المنوط بها أداء دور تنموي رئيس خلال الموجه الخمسينية الثانية. تهدف هذه الغرف إلى تمثيل مصالح قطاع أعمال معين يعمل ضمن قطاع إنتاجي محدد بحيث يصبح لكل قطاع إنتاجي غرفته الخاصة به التي تمثل جميع المقومات العاملة في هذا القطاع من موردين ومصدرين ووسطاء ومقاولين ومساندين.
مقترح يهدف إلى إنشاء تكتلات اقتصادية وطنية قادرة على تلبية احتياجات قطاعاتنا الإنتاجية على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية، بما يضمن مساهمة أكثر فاعلية لقطاعات الأعمال خلال موجة الاقتصاد السعودي الخمسينية الثانية، وتشجيعها على رفع كفاءة منشآتها الاقتصادية، وتوسيع مجالات أنشطتها التجارية والصناعية في الأسواق المحلية الإقليمية والدولية، وتحسين كفاءة أداء قطاعي التجارة والصناعة فيما يتعلق بتوفير حاجات هذه الأسواق من المنتجات والخدمات وفقاً للمواصفات السعودية والإقليمية والدولية، وحصول المستهلك في نهاية المطاف عليها بالكمية المناسبة والسعر الملائم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي