دراسة مصرفية: لا مبررات شرعية لإغلاق الفروع الإسلامية في قطر.. وما جرى حل لمشكلة بمشكلة أخرى

دراسة مصرفية: لا مبررات شرعية لإغلاق الفروع الإسلامية في قطر.. وما جرى حل لمشكلة بمشكلة أخرى

أكد باحث مصرفي أن قرار مصرف قطر المركزي بإغلاق الفروع الإسلامية التابعة للمصارف التقليدية حل لمشكلة الازدواجية بمشكلة أخرى، مضيفا أنه كان ينبغي على المصرف الاطلاع على الآليات التي تتخذها الدول الأخرى في مراقبة العمل المصرفي المزدوج، ومعالجة الإشكالات المتعلقة بالفروع الإسلامية للبنوك التقليدية بدلا من إلغائها. جاء ذلك في دراسة حديثة قدمها الباحث الشرعي نايف الشمري في جامعة قطر.
وقال الشمري إن قرار مصرف قطر المركزي يعتمد على المادة الصادرة عام 2006 من قانون المصرف، التي تنص على الفصل بين البنوك التي تمارس الأعمال المصرفية على أسس تقليدية والبنوك الإسلامية التي تمارس أعمالها وفقا لأحكام الشريعة. وأوضح أن القرار لا يدل بعمومه على منع عمل الفروع الإسلامية من حيث الأصل، بل يؤكد الفصل بين العمليات المصرفية الربوية والعمليات المصرفية الإسلامية، وهذا المطلب لا يدل على ضرورة منع عمل الفروع الإسلامية من حيث الأصل. وأضاف أن الفروع الإسلامية للمصارف التقليدية تلتزم بهذا الفصل من حيث الأصل سواء في عمليات تجميع الأموال أم في عمليات توظيفها، كما أنَّ لديها بياناتها المالية الخاصة داخلياً، التي بدورها تضمن عدم وجود خلط من حيث الأصل بين موجودات Assets ومطلوبات Liabilities الفروع والمصارف التي تتبعها، وفي حال وجد الخلط بين التعاملات الربوية والإسلامية وعدم الالتزام بالفصل التام فإن هذا العارض يعالج بالحساب الفردي والخاص وليس الجماعي والعام، ولا يحكم على تجربة بأكملها بسبب خطأ بعض المنتسبين إليها.
وحول الأسباب التي ذكرها مصرف قطر المركزي لإغلاق الفروع الإسلامية، أشار إلى أن السبب الأول وهو عنصر المخاطرة، إذ إن الفروع الإسلامية تولد مخاطر أكبر وأكثر، وتلك المخاطر تتمثل في المخاطر المصرفية، حيث إن التمويل الإسلامي يتميز بمخاطر أكثر تشعبا وتعقيدا من التمويل التقليدي، خاصة فيما يتعلق بمخاطر العائد والسيولة والائتمان والسوق، ولاسيَّما عمليات التمويل بالمضاربة والمشاركة والاستصناع والإجارة. وتعليقا على ذلك أكد الشمري أنَّ التمويل الإسلامي يمتاز عن نظيره الربوي بتفاوت المخاطر واختلافها، لأن التمويل الإسلامي يختلف باختلاف طبيعة المنتج والأداة التمويلية Financing tool، بينما لا تختلف في التمويل الربوي درجة المخاطرة ومستواها، لأنَّ التمويل الربوي لا يملك سوى أداة تمويلية واحدة، وهي القرض ذو الفائدة الثابتة.
وأضاف الشمري أن ذلك لا يعني التسليم أنَّ مخاطر التمويل الإسلامي أعلى من مخاطر التمويل الربوي، فعلى سبيل المثال، فإن درجة مخاطرة منتج المرابحة أقل بكثير من درجة مخاطرة القرض ذي العائد الثابت، لأنَّ عقد المرابحة يستلزم وجود سلعة علاوةً على أنَّ المصرف الإسلامي له الحق في أن يرهن السلعة المبيعة حتى يستوفي دينه من العميل، وفي هذه الحالة تقل نسبة المخاطرة بنحو كبير، بينما القرض الربوي لا يستلزم وجود العامل السِّلعي، وهذا ما يجعل مخاطرة استيفاء الدين عالية جداً.
وفيما يتعلق بأداة المضاربة أشار الشمري إلى انتهاء عهدها منذ عقود فقد كانت المصارف الإسلامية في بدايتها تُصيِّر من المضاربة أداة تمويلية، ثم لما رأت عِظَمَ المخاطرة تركتها إلى أدوات أخرى، ولا يوجد في الوقت الحالي مصرف أو فرع إسلامي في قطر يستخدم أداة المضاربة باعتبارها أداة تمويلية عامة. أما فيما يتعلق بأداة المشاركة فإن كان المصرف المركزي يقصد المضاربة، التي هي نوع من أنواع المشاركة، فقد مضى الحديث عنها، وإن كان يقصد المشاركة المتناقصة فهي تستلزم وجود سلعة يشترك في شرائها العميل والمصرف ثم يقوم المصرف ببيع حصته للعميل أو تأجيرها إجارة منتهية بالتمليك، وسبق تقرير أنَّ وجود السلع في العقود يُقلل كثيراً من حجم مخاطرتها. هذا إن باع المصرف سلعته للعميل، أما إن كان قد أجرها إجارة منتهية بالتمليك، فالمخاطرة حينئذ تكاد تكون معدومة، وهذا ما سيتبين عند الحديث عن الإجارة.
وحول أداة الاستصناع أشار الشمري إلى أن المصارف الإسلامية في قطر تطبق عقد الاستصناع من خلال عمليتين متقابلتين، وهو ما يسمى الاستصناع والاستصناع الموازي، أي أن يأتي العميل إلى المصرف مريداً سلعة تستلزم صناعة، فيكون المصرف صانعاً والعميل المستصنع، لكنَّ المصرف لا يقوم بدور الصناعة في الحقيقة، إنما يقوم بإبرام عقد آخر مع صانع آخر، وهذه العملية تكمن مخاطرتها في انتظام العميل في السداد، وهي مخاطرة مشتركة في جميع عقود المداينات بما في ذلك القروض الربوية، ومخاطرة تعثر العميل، حيث يكون المصرف ملزما قانوناً وليس شرعاً تجاه الصانع، وعليه يجب عليه مواصلة الدفع حتى إن كان العميل لا يقوم بذلك. وأضاف الباحث أن هذه المخاطرة الحقيقية تعالج بالتأكد المسبق من ملاءة العميل المالية، وأخذ الضمانات الكافية لاستمرارية دفع العميل أقساط المديونية.
وحول أداة الإجارة التمويلية فإن المصارف الإسلامية في قطر لا تطبق عقد الإجارة الصِّرفة، إنما تطبق عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، بأن يقوم المصرف بشراء السلعة التي يريدها العميل، ثم يقوم بتأجيرها عليه، وبعد انتهاء المدة يقوم المصرف بنقل ملكيتها إلى العميل إما عن طريق البيع أو الهبة، مشيرا إلى أن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك يكاد يكون عارياً عن المخاطرة، فهو أقل العقود المصرفية الإسلامية مخاطرة؛ لكون السلعة تبقى مملوكة للمصرف حتى نهاية فترة المديونية.
وقال الشمري إنه يمكن للمصرف أن يتخلص من إشكالية اختلاف المخاطر في المركز المالي الواحد من خلال وضع مستوى مخاطر القرض الربوي سقفاً أعلى لجميع أنواع التمويل، سواء أكان إسلامياً أم ربوياً، ولا يُشكل على ذلك تنوع مخاطر التمويل الإسلامي وتعددها ما دام أنَّ لها سقفاً أعلى لا تتجاوزه، كما نوه بهذا الصدد إلى أنه يمكن للمصارف الربوية ذات الفروع الإسلامية من إدارة عمليات تجمع مخاطر مختلفة، مشيرا إلى تجربة ألمانيا والتي شرعت منذ سنوات بنشاط مصرفي مستحدث يُسمَّى البنوك الشاملة Universal banks يجمع بين مخاطر النشاط الائتماني ومخاطر النشاط الاستثماري.
أما عن السبب الثاني الذي ذكره المصرف فهو أن جزءا كبيرا من هذه الأنشطة من ودائع العملاء التقليدية ذات العائد الثابت التي لا تعتمد على توزيع الأرباح كما في الودائع الإسلامية، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً. إضافة إلى أن الجمع بين هذين النوعين من المخاطر في مركز مالي واحد للبنك يعقد من الأدوات الرقابية والنسب والمؤشرات الاحترازية المستخدمة لإدارة المخاطر، ما يحول دون المحافظة على حقوق كل نوع من المودعين.
إلا أن الشمري قال إنه ليس كل الفروع الإسلامية واقعة في هذه المخالفة، ثم إن هذه المشكلة ليست لأزمة في عمل الفروع الإسلامية، بل خطأ في التطبيق، وعليه يستطيع المصرف المركزي صناعة سياسات محددة وصارمة تقضي بعدم تلقي الفروع الإسلامية أي سيولة من ودائع عملاء المصارف التقليدية، وفي حال وجود الحاجة إلى سيولة نقدية، فإنَّ للمصرف الأصل أن يمول فرعه من أموال المساهمين شريطة أن تكون من قيمتها الاسمية.
وفيما يتعلق بالجمع بين النشاطين الإسلامي والربوي في مركز مالي واحد، ذكر الشمري إنه لا نزاع في أنَّ ممارسة المصارف الربوية للنشاط المصرفي الإسلامي تزيد من صعوبة عمل الأدوات الرقابية، لكن هذه الصعوبة لا تصل إلى أن تكون مبرراً لإغلاق النشاط بأكمله؛ ذلك أنَّ الأدوات الرقابية في سياسة مصرف قطر المركزي سواء أكانت أدوات رقابية كمية أم كيفية لا تختلف باختلاف طبيعة النشاط المصرفي.
وأضاف الشمري كذلك أن المركز المالي لأي مصرف يتكون من أصول Assets وخصوم Liabilities، والسؤال: أي هذه الجزئيات يتأثر باختلاف نشاطات المصرف؟ وما مستوى ذلك التأثير؟ والجواب من ناحية الأصول، فالتأثير يقع في التمويل والأوراق التجارية المحسومة، ويمكن معالجة قضية اختلاف درجات المخاطرة بين النشاطين في التمويل من خلال تحديد سقف أعلى لتلك المخاطر، واقترح الباحث أن يرتبط هذا السقف بمخاطر التمويل الربوي. أما فيما يتعلق بالأوراق التجارية المحسومة فهي أصلاً لا يُعمل بها في المصارف الإسلامية.
أما من ناحية الخصوم، فالإشكالية واقعة في حسابات التوفير والودائع دون سواهما، لكونهما مبنيين على المضاربة عند المصارف الإسلامية، وعلى القرض الربوي عند المصارف الربوية، وهذا يستلزم تبايناً في مقدار الاحتياطي النقدي ونحوه. لكن هذه الإشكالية في الحقيقة غير موجودة على أرض الواقع؛ لأنَّ قوانين المصرف المركزي لا تلقي بالاً لاختلاف طبيعة الودائع بين المصارف الإسلامية والربوية، فكلاهما ملزمان في النهاية بقوانين واحدة.

الأكثر قراءة