رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لماذا نقبل بعضنا في الخارج ونرفض ذلك في الداخل؟

إن سلوكيات السعوديين خارج بلدهم تدل على أن التناقضات التي أوقعوا أنفسهم فيها وما أفرزته من قلة احترام لبعضهم والشكوك فيما بينهم قد تعمد البعض زرعها ثم نمت واشرأبت فآمن بها المجتمع دون تمحيص، وهي لا تتعدى وجهات نظر وصلت إلى حد أن تكون معتقدات رسوخها عدم قبول الاختلاف وتم الزج بالدين فيها لكسب المعركة.

ذكرت في مقال الأسبوع الماضي الإيجابيات التي أحدثتها الثقافة السعودية في المجتمع، وكيف أنها رسخت الفضيلة وحاربت الرذيلة وثبتت مكارم الأخلاق وجمعت الشتات تحت لواء واحد حتى أصبح الناس وإن كانوا من قبل أعداء يذيق بعضهم بأس بعض شعبا واحدا وأمة واحدة كما نراهم الآن.
إلا أنها وإن كانت كذلك فإنها (أي الثقافة السعودية) أفرزت عددا من السلبيات أصبحت مع مرور الوقت قيما وأعرافا تحكم المجتمع، وتحدد مسيرته، وتقيد انطلاقه. وأصبح المجتمع يؤمن بهذه القيم ويتشبث بتلك الأعراف ويحدد علاقته بالغير على أساسها وهي تمارس بقناعة وبعدم قناعة حتى أصبحت بالفعل معوقات تعوق تقدمنا وأجلت التنمية في بلادنا حتى سبقتنا دول كانت بالأمس تخطب ودنا لتستفيد من تجاربنا. ومن أبرز تلك السلبيات التناقضات ورفضنا الاختلاف، فنحن لا نقبل أن نكون مختلفين فكريا أو عقديا رغم أننا مختلفون جسديا وماديا. ولا أدري لماذا يرفض مجتمعنا الاختلاف ويتخذه مؤشرا لبناء العلاقات وكسب الصدقات واختلاق العداوات؟ الأمم المتحضرة تقبل الاختلاف فيما بينها ومع الغير عقديا وفكريا ويظل الاحترام قائما بين أفرادها وفئاتها المختلفة.
إن عدم قبولنا الاختلاف أفرز عدم الاحترام بين فئات المجتمع وأطيافه. فأنا أحترمك وأبارك خُطاك وأغض الطرف عن شطحاتك مهما عظمت إذا كنت أقبل توجهك ومقتنعا بوجهة نظرك، أما إذا لم تكن كذلك فيجب محاربتك واجتثاثك ولو نزلت الملائكة من السماء تقسم على حسن نيتك وصدق ما بداخلك. وعدم الاحترام أفرز الشكوك والريبة وعدم الثقة ليس فقط بين الفئات والأطياف المتناحرة، بل وصل هذا إلى العلاقات بين الأسر والأفراد. فالمتزوج يشك في الأعزب ولو كان شقيقه وتظل تراوده الشكوك من ذلك الرجل الأعزب الذي بجواره يخشى أن ينقض على حرمة داره. والمرأة تخشى زوجها، خصوصا إذا كان لديها مصدر دخل وتقضي حياتها مع زوجها في صراع لا يهدأ. وعدم قبول الاختلاف أدى إلى سوء العلاقات بين الأشقاء داخل العائلات، فالشاب الملتزم يأمر أخواته بالحجاب من منظوره هو بينما الأب يرى أن الحجاب مبالغ فيه وأن له معنى آخر فيتم العناد والعراك على حساب الفتاة. كما أدى هذا الوضع إلى تفشي النفاق في العلاقات، خصوصا بين أولئك الذين لا يؤمنون بهذه المهاترات ولا يهمهم هذه التقسيمات إلا أنهم أفراد في مجتمع ويجب أن يحددوا انتماءاتهم فيحاولوا أن يجاملوا تلك الفئة وينافقوا الأخرى حتى يعيشوا بينهم بسلام.
وهذه التناقضات وما تبعها من عدم قبول حقيقة أننا يجب أن نكون مختلفين أنهكت مجتمعنا كثيرا حتى أنه أصبح يتغافل عنها أحيانا ويكفر بها أحيانا أخرى. نرى ذلك من سلوكيات الفئات المختلفة للمجتمع السعودي في الخارج عندما يضطرون إلى أن يتعايشوا مع بعضهم في ثقافات أخرى. نراهم يقبلون بعضهم ويتغاضون عن كثير من نقاط الاختلاف فيما بينهم ويتعايشون بود واحترام.
عندما تلاحظ سلوكيات السعوديين خارج بلادهم فإن بعض القناعات والسلوكيات التي يمارسونها داخل بلدهم تختفي، فتراهم يسكنون في منطقة واحدة جيرة وأخوة، الأعزب بجوار العائلات، فلا تستطيع أي من العائلات السعودية ولا يمكن أن يخطر ببالها أن الرجل السعودي الأعزب الذي يجاورهم السكن قد يظهر منهم ما يشين حتى وصل الوضع إلى أنهم يتناولون وجبات الغذاء والعشاء بجوار بعضهم في المطاعم والفنادق ويحتسون القهوة والشاي في الأماكن العامة في مقاعد متجاورة، فلا يحزنك أن ترى مجموعة من الأفراد العزاب بجوار عائلة سعودية محافظة يتناولون الوجبات بكل ثقة واحترام وأدب جم ولا يخشى أحدهما من الآخر. ووصل الأمر إلى أبعد من ذلك فتجد المواطن السعودي السني يؤدي الصلاة في المسجد نفسه الذي يؤدي فريضته فيه المواطن السعودي الشيعي، وقد لا يمانع أن يؤم أحدهما الآخر، حتى حواراتهم العقدية تجد فيها نوعا من الاحترام وتجنب النقاط الحرجة التي قد تخدش العلاقة. إلا أن هذا - مع أسفي - لا يستمر طويلا, فعندما يعودون إلى وطنهم فإنهم سرعان ما يمارسون ما اعتادوه من رفضهم بعضهم ويبدأ الصراع من جديد.
ونحن نتساءل: لماذا نقبل بعضنا في الخارج ونرفض ذلك في الداخل حتى أعقنا تنميتنا وأضعنا جهدنا واستثمر الغير صراعتنا؟ أرى أن هناك أسبابا عدة أدت إلى تعايش السعوديين مع بعضهم خارج حدود بلادهم ورفضهم ذلك داخل وطنهم منها وفي مقدمتها نظام البلد المضيف، فعندما ترحل الثقافة السعودية لفترة محدودة وتمتزج بثقافة أخرى فإنها تدرك أنها لا تستطيع تغييرها أو مجابهتها، عندها يدرك السعوديون أنهم إن أرادوا أن يستمتعوا بأوقاتهم ويزيدوا من معارفهم فما عليهم سوى التخلي قليلا عن بعض ما اعتادوه من تناقضات سخيفة وقناعات معلولة وشكوك لا مبرر لها. وأريد أن أختم فأقول: إن سلوكيات السعوديين خارج بلدهم تدل على أن التناقضات التي أوقعوا أنفسهم فيها وما أفرزته من قلة احترام لبعضهم والشكوك فيما بينهم قد تعمد البعض زرعها ثم نمت واشرأبت فآمن بها المجتمع دون تمحيص، وهي لا تتعدى وجهات نظر وصلت إلى حد أن تكون معتقدات رسخها عدم قبول الاختلاف وتم الزج بالدين فيها لكسب المعركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي