المحتوى العربي يحتاج إلى وضوح رؤية (2 من 2)
إن تحديدنا 15 عاما من الآن للوصول إلى مجتمع معرفي يعني قدرتنا على تخطي الأمية التي كنا نأمل ردمها قبل 2015، وبالتالي نستطيع اللحاق بالمجتمعات الأخرى المتقدمة في أي وقت نشاء، لأن لدينا الأفكار الشابة والأيدي العاملة والمصانع المتطورة في حقول عدة وستتسارع الأمم معنا في كيفية تسهيل حياة الفرد بالثقافة العالية والإبداع في الأعمال والابتكار. أعتقد أن طول المدة بني على التحفظ الشديد في توقع ردود أفعال الشركاء التي قد لا تتواءم مع سرعة التقدم التي تأملها المدينة. لكن في هذه الحالة هل نتحدث عن وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الإعلام؟
إذا كان كذلك، فكل هذه الوزارات بما تنتجه من محتوى علمي أو أدبي وبمخرجاتها يمثل الإنتاج العصري الدسم الذي بدأ من العام الماضي في التألق وبنهاية الخطة الخمسية الحالية ستكون هذه الوزارات تتنافس في التسارع. وما المؤتمر القادم حول المحتوى العربي على الإنترنت الذي ستقيمه جامعة الإمام محمد بن سعود إلا توجه نابع من أروقة مرافق هؤلاء الشركاء.
إن حاجتنا إلى وضوح الرؤية منبعها التغيرات السريعة التي تراهن عليها أمم العالم في تطوير المعارف ووسائل الحصول عليها ما زلنا خارج دوائر المنافسة. إن وضوح الرؤية يتطلب الاطلاع على الدراسات التي أجريت على الأطفال واليافعين وكبار السن وكيف تؤثر التقنية في محصلة المعرفة في عمر متقدم. الدراسة البريطانية التي ما زالت تحت الطبع في مجلة IJBNPA، حيث تناقش تنويع الأطفال وتعداد ما يشاهدونه من شاشات والتنقل بينها للحصول على المعلومات، والأخرى التي ناقشت وضع المواقع الاجتماعية وتأثيرها في المستخدمين فيها من المعلومات، توضح أن ما نحتاج إليه للمجتمع في الأعمار المختلفة تسبقه دراسة لواقع الحالة النفسية والحالة الاجتماعية والاقتصادية ووضع التقنيات المستخدمة في المملكة. وإذا كنا نعاصر اليوم ونستخدم خمسة مصادر رئيسةTV, Computer, Game Devices, Mobiles, and Ent. Devices لنقل وتخزين ومعالجة وعرض والتزويد بالمعلومات فلا نعرف ماهية القادم لأننا لم نشارك في ابتكار أو تطوير أي من الحالية.
إن زيادة المحتوى العربي على الإنترنت تعني فتح المجال والخط والمصادر والمعلومات في كل وقت ولكل الأعمار وبشتى الوسائل والوسائط وبأعلى السرعات وباستخدام أحدث البروتوكولات ... إلخ. هل نحن قادرون على تحقيق ذلك؟ المتعمقون في دراسات الإنترنت تاريخيا وإداريا وفنيا وسلوكيا ومحتوى (نوعيا وكميا)... إلخ، يعون دوما أن ظاهرة إتاحة المعلومات بزخم كبير من خلال الإنترنت تختلف من أمة إلى أخرى تبعا لظروفها وخصائص مجتمعاتها. نحن في المملكة - بحمد الله - نحكم بالقرآن والسنة وأخلاقنا الإسلامية السمحة يفترض أن تضبط رغباتنا وسلوكياتنا فكيف سنركز على هذا الجانب الاجتماعي النفسي ونتقدم مستغلين الفرصة للانتقال للمجتمع المعرفي عبر هذا الممر؟ جميعنا يعلم أن لكل دولة منطقا ومنهاجا معينا تتبناه كنظام يتواءم مع بناء وتركيبة مجتمعها والمرحلة التي تعيشها.. فهل فعلا استفدنا من كل فرصة لاحت لنا أم ابتعدنا عن أرض الواقع ونحاول الآن تعويض ما فات؟
ماذا نريد؟ نريد أولا تأصيل محاسبة تنتهي بركوب القطار، ومن لم تسعفه النتيجة فلا مقعد له عليه، ويجلس على المقعد من اختُبر وفُحص ثم كُلف لكفاءته وتأهيله. هذا يعني أننا نريد من قطاعي التعليم والصحة الشيء الكثير. ونريد من القطاعات ككل إتمام مشروع الحكومة الإلكترونية والبدء بالتطوير لتسهيل أداء الخدمات وتقديمها. نريد جدية تقويم بناء على أحدث المؤشرات وطرق القياس وسبل التقويم المعروفة والمتوافرة المؤدية إلى التطبيق بصرامة أو الإقصاء. نريد إتاحة المعرفة غير الضارة (العلمية الثقافية) دون قيود، وأقصد هنا ألا يتم التكسب من ورائها، أو رفع تكلفة عرضها، أو التعذر بقلة وندرة المختصين والعارفين في هذا المجال أو ذاك ... إلخ. نريد فتح المواقع الموثوقة للدوريات العلمية والكتب على الخط المباشر ''بكاملها'' في التخصصات العصرية داخل نطاق المملكة لأنها أصبحت مرتكزا مهما في نشر المعرفة عبر المكتبات الافتراضية أو المتاحة على الخط المباشر. نريد دراسات مبنية على نشر موثوق للرصد والحصر والتحليل الشهري والدوري لما ينجز في كل محور. نريد الاستفادة من شبابنا العائد من الغربة بعد حصولهم على الشهادات العليا في إثراء المجتمع بثقافات أممية إيجابية وليس فقط ''رفع مستوى الوعي''. نتطلع إلى تغطية كل الأحداث باللغة العربية وتوفير جميع القنوات وما سينطلق ويبث فيما بعد على الإنترنت لتقليص مدة كل مرحلة.
نريد تشجيع الشباب وتحفيزهم على نشر المواقع بغايات وأهداف تحدد لهم أطرها ويؤازرون في ماهية المحتوى. نريد إشراك الشباب في تحديد الزمن والمحتوى المطلوب لأنه زمنهم، والذين تغربوا يعون تماما ماذا يدور في العالم. وبالتالي مع شيء من الإشراف والتوجيه سيكونون أمام التزامهم وإصرارهم خير أمة - بإذن الله. نحن لا نريد أن يكون ضعف المهارة أو السن عائقا في استخدام الوسائل للحصول على المعرفة، وبالتالي نتوقع الكثير إلا أننا قبل ذلك نريد وضوح رؤية، وانتقالا أسرع من مرحلة لأخرى، والله المستعان.