ما الذي قد يحل محل الدولار؟
هناك فكرة أفضل تتلخص في البدء في العمل الآن على خلق أصل احتياطي عالمي أكثر جاذبية. وقد تكون الأداة المثالية عبارة عن سند مربوط بالناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستتراوح العائدات على هذه الأداة وفقاً لمعدلات النمو العالمي، تماماً كما تــراوح العائدات على قسائم الناتج المحلي الإجمالي التي تصدرها حكومات كوستاريكا والأرجنتين على سبيل المثال وفقاً لمعدلات النمو الوطنية.
لأكثر من نصف قرن من الزمان، لم يكن الدولار الأميركي العملة المعمول بها في أمريكا فحسب، بل وفي العالم أيضا. وكان الدولار الوحدة المهيمنة المستخدمة في المعاملات عبر الحدودية والأصل الرئيسي الذي يحتفظ به كاحتياطي لدى البنوك المركزية والحكومات.
ولكن حتى قبل فترة طويلة من موقف سقف الديون المعقد، كان الدولار قد بدأ يفقد بريقه. على سبيل المثال، هبطت حصة الدولار المثبتة في الاحتياطيات من النقد الأجنبي الذي تحتفظ به البنوك المركزية إلى ما يزيد قليلاً عن 60 في المائة، بعد أن كانت 70 في المائة قبل عشرة أعوام.
والتفسير بسيط: فالولايات المتحدة لم تعد تهيمن على اقتصاد العالم بالدرجة نفسها التي نجحت في فرضها في الماضي. ومن المنطقي أن يتبع النظام النقدي الدولي الاقتصاد العالمي في سلوك مسار يتسم بالتعددية القطبية. وكما بات لزاماً على الولايات المتحدة الآن أن تتقاسم الساحة العالمية مع اقتصادات أخرى، فإن الدولار سيضطر إلى إفساح المجال أمام عملات دولية أخرى.
في كتابي الأخير "الامتياز الباهظ: صعود وهبوط الدولار"، وصفت مستقبلاً، حيث يصبح الدولار واليورو العملتين العالميتين المهيمنتين. كما توقعت دوراً دولياً محتملاً للرينمنبي الصيني بعد عشرة أعوام أو ما إلى ذلك.
وقد استبعدت أي دور لحقوق السحب الخاصة، وهي وحدة المحاسبة التي يصدرها صندوق النقد الدولي. فقد يتصور البعض أن حقوق السحب الخاصة، باعتبارها سلة تتألف من أربع عملات، قد تكون جذابة في نظر البنوك المركزية والحكومات الساعية إلى تأمين مجازفاتها. ولكن عملية إصدار حقوق السحب الخاصة مرهقة، ولا توجد أسواق خاصة حيث يمكن تداولها.
ثم خلصت إلى أنه لا يوجد أي بديل واقعي لمستقبل، حيث تظل العملتان الوطنيتان الرائدتان، الدولار واليورو، مهيمنتين على المعاملات الدولية.
ولكن ما اختلف الآن هو أن العملتين تعانيان من نفس أزمة طاحنة. فبسبب الإخفاق التام فيما يتصل بسقف الديون الأمريكية ثارت الشكوك في أذهان القائمين على البنوك المركزية حول جدوى الاحتفاظ بالدولارات، في حين يستمر فشل أوروبا في حل أزمة ديونها السيادية في تأجيج الشكوك في قدرة اليورو على البقاء. ذات يوم (قبل أقل من عام واحد)، كان من الممكن أن نتخيل احتياطيات دولية يهيمن عليها الدولار واليورو؛ أما اليوم فإن المسؤولين في البنوك المركزية الذين يشعرون بالانزعاج الشديد يبحثون في يأس عن بدائل لكل من العملتين المريضتين.
والمشكلة هي أن الطريق مغلقة أمامهم. فسوق الذهب صغيرة ومتقلبة. والسندات الصينية لا تزال غير متاحة. أما عملات الدرجة الثانية، مثل الفرنك السويسري والدولار الكندي والدولار الأسترالي، فهي تظل تشكل قزماً أضخم قليلاً حتى ولو كانت مجتمعة.
ولكن مع بحث البنوك المركزية عن بديل للدولار واليورو، أليس الآن الوقت المثالي لتوسيع دور حقوق السحب الخاصة؟ لماذا لا نصدر المزيد منها؟ ولماذا لا ننشئ سوقاً حيث يمكن تداولها؟ أليست هذه فرصة لا تتكرر مدى الحياة للتحرك بعيداً عن عالم حيث يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي بالمعروض من السيولة النقدية الدولية؟
الجواب للأسف هو "كلا". فالأمر لم يتغير في العام الماضي: فلا تزال حقوق السحب الخاصة تفتقر إلى الجاذبية كخيار للبنوك المركزية التي تحررت من وهم الدولار واليورو. والسبب واضح إذا تأملنا الأمر قليلا: فالحصة المشتركة من الدولار واليورو تقرب من 80 في المائة من سلة العملات التي تؤلف حقوق السحب الخاصة.
لا شك أن توسع السلة بحث تشتمل على عملات الأسواق الناشئة من شأنه أن يساعد، ولكن بدرجة طفيفة، حيث لا تزال الولايات المتحدة وأوروبا تمثلان نصف الاقتصاد العالمي وأكثر من نصف أسواقه المالية السائلة. ولن تعرض حقوق السحب الخاصة قدراً معقولاً من الحماية إذا فقد الدولار واليورو قيمتهما بمرور الوقت.
هناك فكرة أفضل تتلخص في البدء في العمل الآن على خلق أصل احتياطي عالمي أكثر جاذبية. وقد تكون الأداة المثالية عبارة عن سند مربوط بالناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستتراوح العائدات على هذه الأداة وفقاً لمعدلات النمو العالمي، تماماً كما تتراوح العائدات على قسائم الناتج المحلي الإجمالي التي تصدرها حكومات كوستاريكا والأرجنتين على سبيل المثال وفقاً لمعدلات النمو الوطنية.
وهذا من شأنه أن يمكن البنوك المركزية من الاحتفاظ بأدوات تتصرف وكأنها حافظة أسهم عالمية متنوعة على نطاق واسع. وسيتم تعويضها عن التضخم وانخفاض قيمة العملة في الولايات المتحدة وأوروبا، بما أن دفع التعويضات سوف يعتمد على الناتج المحلي الإجمالي الاسمي وليس الحقيقي لهذه الاقتصادات. وبوسع صندوق النقد الدولي أن يستخدم سلطته في إصدار السندات لشراء سندات مربوطة بالناتج المحلي الإجمالي من الحكومات الوطنية، وبالتالي تزويد الأصول الاحتياطية العالمية الجديدة بالدعم والقدرة على توليد الفائدة، في حين يخلق الحافز للحكومات لإصدار هذه السندات.
ظل الخبير الاقتصادي روربرت شيلر من جامعة ييل يؤكد لفترة طويلة أن الحكومات الوطنية لابد وأن تصدر سندات مربوطة بالناتج المحلي الإجمالي كوسيلة أكثر أماناً للاقتراض، ولكن إقناع تلك الحكومات كان صعبا. ومن المؤكد أن إقناعها بدعم إصدار صندوق النقد الدولي لسندات مربوطة بالناتج المحلي الإجمالي العالمي سوف يكون أصعب. ولكن إذا كانت الحكومات والبنوك المركزية جادة في البحث عن بدائل للدولار واليورو، فالآن الوقت المناسب للبدء في هذا المسعى ـــ والواقع أن السندات المربوطة بالناتج المحلي الإجمالي تشكل المكان الأمثل للبدء بالبحث.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.